تحقيقات وتقارير

كلمات على الركشات ولسان حال ستات الشاي.. حسب المعاملة

وأنت تسير في شوارع الخرطوم أو تتهادى في أزقة أمدرمان الضيقة ودورب بحري وضواحيها، انظر أمامك ثمة ركشة تمضي مسرعة أو أخرى تمشي الهوينة، وبعض عبارات على ظهر الركشة دعك من الخط غير الجميل أحيانا والأخطاء اللغوية من نحو وإملاء تأمل فقط المعاني والدلالات، وإذا وصلت إلى الموقع الذي تريد وترجلت عن متن الركشة، وما كتب على ظهور أخواتها اجلس إلى إحدى بائعات الشاي أو ستات الشاي، وتأمل ما كتب على الصناديق التي توضع أمامهن بإتقان، وترص فوقها أدوات صنع الشاي والقهوة، نفس العبارات التي تفتقت عنها عبقرية المواطن السوداني البسيط والاستعارات والاقتباسات الذكية لأشعار وحكم وأغاني، وبعضها (قطع أخضر).
من أين جاءت؟ وعن ماذا تعبر؟ وغيرها من الأسئلة نطرحها من على ظهر ركشة علي عمر سيد عمر الذي يبلغ من العمر (25) عاما، ويسكن أمبده الحارة (16)، ويعمل سائق ركشة منذ نحو 9 سنوات ماضية، يقول عمر: “مبسوط ومرتاح جدا في مهنتي، بل وأتشرف بها كثيرا، على الرغم من أنني أعمل سائقاً فقط، بمعنى أن الركشة ليست ملكا لي”. وتابع: “أعمل طوال اليوم وفي آخر الدوام أذهب لتسديد ما عليَّ من التزام مالي لصاحب الركشة”.. وحول العبارة المكتوبة على ركشته التي يقودها (حسب المعاملة ) مقصود منها حسب معاملة الناس معه في شتى أمور الحياة. ويقول: “بحكم عملي أتعامل مع أصناف شتى من البشر، البعض منهم يتميز بالمعاملة الجيدة، وآخرون لا يعرفون الأسلوب الجيد، ولذلك كنت مصراً على كتابة العبارة، ليعرف الشخص الذي يتعامل معي أسلوبي في التعامل، ويتأكد أنني سأعامله بالمثل، فإن تعامل معي بشكل جيد فلن يجد مني غير الاحترام بغير ذلك جاهز للتعامل معه بأسلوبه”.
عمر ذكر في ختام حديثه بأنه أبلغ صاحب الركشة برغبته في كتابة تلك العبارة، ويمضي بعيداً عن الحديث الأساسي: “لا أحصل على أرباح جيدة من العمل في الركشة، وأحياناً لا أتحصل على القيمة الفعلية للالتزام والمقدرة بسبعين جنيها، وأكملها من إيراد أمس”.. بينما تمثل لي بقية المصاريف حملا مرهقا.
الأقدار وست الدار
وفي السياق، تقول ست الدار محمد إبراهيم البالغة من العمر 51 عاماً، وتعمل بائعة للشاي في حواري أمبدة، إنها تعمل في المهنة منذ 16 عاماً وتستطرد: “أعول أسرتي الصغيرة بعد انفصالي عن زوجي”. وتواصل: “كتبت عبارة (قدر ما نشتل الأفراح تجي الأقدار تمد إيدا)، عطفا على المشاكل العديدة التي تواجهني، وتتسبب في انتقالي، وتجوالي من منطقة لأخرى”، مبينة أنها عانت ولا تزال تعاني بشدة من قسوة الأقدار والظروف، وتتمنى صادقة أن تتحسن للأفضل”.
وتواصل ست الدار أنها كتبت في الجانب الآخر من منضدتها (يا صابر عند الله جزاك) كتأكيد قاطع على أن الله وحده من يملك لنا ضراً ونفعاً ومؤمنة تماماً بما قسمه الله لي، وكل الأحاديث والآيات القرانية تؤكد أن جزاء الصابر كبيراً.
وتختتم ست الدار هي دعوة صادقة مني للجميع بالتزام جانب الصبر، فلن يضيع شيئاً عن الله.
تعبير صادق عن ما يجيش في الخاطر
العبارات التي يكتبها أصحاب المركبات الخاصة والركشات غالباً ما تمثل رسائل، غير أن الملاحظ أن كثيرين يكتبون (ما شاء الله)، وهو ما يدل على خوفهم من الحسد والعين.
وأصبحت تلك العبارات جاهزة في أماكن تزيين السيارات والركشات، وقال عبد الحميد عثمان الذي يملك محلا لتزيين السيارات والركشات أن كثيرون يقصدون محله ويطلبون تلك العبارات المكتوبة جاهزة، مشيرا إلى أن عبارة (ما شاء الله) الأكثر طلباً.
بينما يؤكد إبراهيم محمد الشيخ الذي يعمل خطاطاً أن الزبون يقترح تلك العبارات، لافتاً إلى أنه يحرص على تلبية طلبات زبائنه دون أن يتدخل في اختياراتهم، مشيراً إلى أن أكثر الطلبات طرافة، عبارة طلب سائق ركشة كتابتها وهي (لو الشقاوة رتب كان بقيت لواء)، مشيرا إلى أن تلكم العباراة التي أضحكته بشدة تدل على مدى معاناة ذلك الشخص.

اليوم التالي