اعتناق المسيحية ..سبب مقنع لنيل حق اللجوء؟
إنهم يفرون من البوليس السري في طهران ويعتنقون المسيحية. في ألمانيا، يتحول الكثير من اللاجئين من إيران ومن بلدان أخرى إلى الديانة المسيحية. وفي حين تفرح الكنائس، تثير تلك المسألة الشكوك لدى سلطات الهجرة.
ضجيج يملأ سرداب إحدى الكنائس الإنجيلية، بينما يقوم مساعدون متطوعون بتوزيع الشاي الساخن. وعلى أرضية السرداب، المُبلَّطة بالأحجار، وُضِعت صناديق بها كتب عن تعاليم العقيدة المسيحية باللغتين العربية والفارسية، لتساعد ما يقرب من 30 لاجئا على الاستعداد لطقوس تعميدهم.
وفجأة يتوقف الضجيج، ويعود للمكان صمت مُتَوَتّر. راعي الكنيسة لا يريد نشر اسم كنيسته ولا مكان وجودها، لأنه مهدد بسبب مساعدته للاجئين. ويحمل هذا الراعي معه أخباراً سيئة.
“لقد تم تنفيذ أول عمليات التترحيل لأفراد من مجموعتنا هذه إلى إيران”، يقول راعي الكنيسة، فيسيطر الصمت المطلق على القاعة. ثم ينصح الحاضرين: “أخبروا القاضي بعقيدتكم وقوموا بتوزيع الكتابات المسيحية في سوق عيد الميلاد، وإلا فسيقول القاضي إن بإمكانكم أن تصلوا بشكل منفرد في إيران أيضا.”
مسلم ويتحول للمسيحية
الهروب، ثم التعميد ثم الاعتراف باللجوء؟ عندما جرى فتح الحدود مع أوروبا في خريف 2015 لم يصل إلى ألمانيا عبر طريق البلقان لاجئون فروا من الحرب من سوريا وأفغانستان والعراق فقط، وإنما جاء في الرحلة أيضا كثير من الإيرانيين، الباحثين عن الحماية، فروا من نظام الملالي.
ووفقا للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، فإن نحو 26 ألف شخص (تحديداً 25655 شخصاً) من الجمهورية الإسلامية الإيرانية قدموا خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 طلبات للحصول على حق اللجوء في ألمانيا. وأن معدل الحماية لهولاء يبلغ 50 في المئة. وللمقارنة فإن الفترة ذاتها من عام 2015 بلغ عدد المتقدمين 4454 شخصا فقط.
واحد منهم هو إيليا الذي يبلغ من العمر 31 عاما. إنه مدرس للتربية الرياضية من طهران، نجح في دخول ألمانيا بمساعدة أحد مهربي البشر. وقال إيليا إنه شق طريقه إلى ألمانيا عبر طريق البلقان. وهنا في ألمانيا اعتنق المسيحية وتعمد في كنيسة بروتستانتية في ولاية شمال الراين- وستفاليا.
بعد ثمانية أشهر من الانتظار حان في أغسطس/ آب موعد أول جلسة استماع له من قبل المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين. وقال للموظف المسؤول إن أحد زملائه المدرسين أبلغ الشرطة السرية الإيرانية عنه، “زاعما أنني أشارك في قداسات مسيحية تقام في منازل.”
خوف من الجواسيس
ويبدو أن الموظف المسؤول في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) لم يكن متأثرا لحد ما في البداية بخصوص ما يحكيه مدرس التربية الرياضية، فنصحه بالانتقال إلى مدينة أخرى في إيران. فأجابه إيليا بهز رأسه ثم تابع حديثه قائلاً إن “الشرطة السرية في إيران أسوأ من الكي جي بي في الاتحاد السوفياتي السابق، فهي تعثر عليك أينما كنت.” ومن شدة خوفه من الجواسيس يتجنب إيليا حتى هنا في ألمانيا التواصل مع الإيرانيين.
خلال جلسة الاستماع يتم التأكد من هل سيتعرض اللاجئ المتحول للمسيحية للاضطهاد إذا عاد إلى بلده أم لا
علاقة إيليا مع الإسلام ووطنه إيران “انتهت”. ويقول المدرس الإيراني إن “الحكومة في طهران تعلن دائما أن الإسلام هو أفضل دين في العالم. لكن الإسلام لا يعطي للمذنبين أي فرصة للتوبة من الذنوب، ومن بينها أيضا الردة عن الإسلام. فعقوبتها هي الإعدام!”، وفي المقابل توجد المغفرة في المسيحية، حسب قوله.
هرب وتعمد، فماذا بعد؟
على الرغم من أن الكنائس في ألمانيا سعيدة بارتفاع عدد من تحولوا هنا إلى المسيحية من بين طالبي اللجوء من إيران، إلا أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين وكذلك سلطات الهجرة، في المقابل، تنظر للمسألة بشكوك على الأغلب.
توجهت DW بسؤال إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين فجاءت الإجابة: “عند تغيير الدين يتعلق الأمر في الأساس بأن يظهر مقدم طلب اللجوء، بشكل مقنع، أنه سيمارس شعائر دينه الجديد عند عودته إلى وطنه، وأنه سيواجه هناك بسبب ذلك اضطهادً، ما يبرر نيل الحق في اللجوء.” وأضاف المكتب: “يجب على المقرر في مكتب الهجرة تقييم ما إذا كان قيام مقدم الطلب بتغيير دينه مسألة لها أسباب تكتيكية بالنسبة للجوء، أو أنه فعل ذلك عن قناعة حقيقية.”
“اقنعني بدينك الجديد!”
مسألة التقييم يمكن أن تختلف بشكل كبير جدا من ولاية ألمانية إلى أخرى. فمثلا بناء على كلام ينس ديكمان، خبير اللجوء في بون، فإن ولاية راينلاند-فالتس لا تمتحن اللاجئ في العقيدة، أما في شمال الراين- وستفاليا وكذلك في ساكسونيا السفلى، فيتحتم على اللاجئين الإجابة على أسئلة حول طبيعة المسيحية.
ويروي ديكمان الذي يعمل محاميا مشهدا واقعيا حدث أمام إحدى المحاكم: “في شمال الراين- وستفاليا، اقترب ذات مرة قاض في المحكمة الإدارية من أحد طالبي اللجوء، وقال له في وجهه: اعتقد أن الدين أمر ممل تماما، كما أنه لا يهمني على الإطلاق. والآن يجب عليك أن تقنعني باعتناق المسيحية.” لقد كان اللاجئ مصدوما فعلا، كما يقول المحامي.
ويفيد ديكمان أنه في جلسات استماع أخرى يكون مطلوبا من اللاجئين الاقرار بالشهادة، من خلال قراءة صلاة “أبانا الذي في السموات”، أو يتم سؤالهم عن أشياء موجودة في الكتاب المقدس. ومن بين الأسئلة، التي تتضمنها القائمة اسم الابن الضال في العهد الجديد، وما الذي يميز عيسو عن يعقوب، ومتى ولد مارتن لوثر.
اختبارات العقيدة خلال إجراءات الاستئناف أمام المحاكم الإدارية أو سلطات الهجرة تشغل الآن بال الكنيسة البروتستانتية. وفي المجمع الكنسي العام للكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بافاريا، الذي عقد في باد رايشنهال في الفترة من 20 إلى 24 نوفمبر/ تشرين الثاني كان هناك انتقاد لممارسات الاختبار الحالية.
وحصلت DW على خطبة للمقرر الأعلى للكنائس ميشائيل مارتين جاء فيها: “مما لا شك فيه أن المحاكم الإدارية والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يجب أن يقوموا بتقييم ما إذا كان مقدم الطلب سيواجه خطرا على روحه وجسده أم لا، إذا عاد إلى وطنه ومارس عقيدته. لكن ما تنتقده الكنيسة هو الأسئلة التي يتم فيها امتحان المعرفة بالدين الجديد.”
إيليا، مدرس التربية الرياضية لا يريد العودة إلى إيران مهما كان، ويقول: “أنا لم آت إلى هنا بحثا عن عمل، فقد كان لدي راتب جيد في طهران.” ويضيف إيليا: “إذا تم رفض طلبي للجوء، لا مشكلة، فسأحاول مرة أخرى”
DW