في الجبل
> بدت مناطق جبل مرة وقممه العالية أول من أمس، مغطية بضباب خفيف وسحب شتائية بيضاء متناثرة لم تحجب السماء شديدة الزرقة، حين كانت طائرتان عموديتان تحلقان بصعوبة بين الجبال والوهاد والجروف الصخرية الحادة، تقلان الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية ووفده الكبير في زيارة أقل ما تُوصِّف أنها تاريخية إلى محليات جبل مرة الثلاث ( غرب ووسط وشمال جبل مرة )، ولم تشهد مناطق ( جلدو، قولو، سرونق، روكي رو ) تدافعاً واحتشاداً شعبياً كما كان في هذه الزيارة، ولم يحظ أهل هذه المناطق بوجود مسؤول سيادي رفيع وعدد كبير من الوزراء الاتحاديين ووزراء الدولة وكبار مسؤولي المؤسسات الحكومية بينهم إلا في هذه الزيارة التي تعد أبلغ دليل على عودة الروح إلى دارفور وخاصة جبل مرة الذي انطلقت منه جرثومة التمرد وفيها تم قبره وإنهاء وجوده .
> في جلدو وهي أهم إداريات محلية غرب جبل مرة وفيها ترعرع نائب الرئيس ودرس المرحلة الابتدائية، تقع جلدو في منتصف الطريق ما بين نيرتتي عند سفح الجبل الغربي إلى قولو صعوداً إلى القمم الشماء شرقاً وشمالاً، في جلدو بعراقتها وملامحها العتيقة خاصة مدارسها التي تأسست في عامي ١٩٣٤ و١٩٥٥م، كان هناك تجمع ضخم من مواطني محلية غرب الجبل تقاطروا من كل فج وبطن وادٍ، على ظهور الدواب والشاحنات وسيارات الدفع الرباعي المنتشرة في تلك البقاع، وأتت كل القبائل المتعايشة في مشهد قد لا يصدق أحد أنه في جبل مرة، حيث كانت دعاية التمرد والقوى الخارجية أن المجتمع قد انفرط عقده وضربته الخلافات القبلية والبغضاء وعمليات التطهير العرقي، لم نلحظ بين الأهالي إلا التماسك المجتمعي وقوة الآصرة التي جمعتهم .
> تلخصت مطالب المواطنين في ضرورة قيام طريق ( نيرتتي، جلدو، قولو، روكي رو، تابت ) وهو الطريق الذي يربط غرب الجبل بشرقه شاقاً الجبل ليتصل طريقا (نيالاــ كاس ــ جبل مرة ) بطريق الإنقاذ الغربي عند نقطة التقاء جنوبي الفاشر، وهو طريق استراتيجي ذو جدوى اقتصادية ضخمة، كذاك طالب أهل جلدو وما حولها بترقية الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير مياه الشرب والاتصالات، وهذه المناطق معزولة ومقطوعة تماماً عن بقية مناطق البلاد والعالم الخارجي لعدم وجود خدمات الاتصالات الهاتفية، ويعيش المواطن هنا على هامش الحياة في عزلة مجيدة لا شيء يربطهم ببقية مناطق البلاد سوى طريق وعر جداً تسير فيه السيارات بمشقة بالغة وعنت كبير .
> حديث نائب الرئيس لأهله ورهطه في جلدو كان مؤثراً للغاية، فقد خرج منهم طفل غرير وعاد إليهم بعد خمسة أربعين عاماً نائباً لرئيس الجمهورية، وتحدث حسبو في أجزاء من خطابه بلغة الفور التي يجيدها، وسط استحسان وهتافات من المواطنين، وتم افتتاح محطة مياه، ومراجعة العمل في بعض المرافق ومنها المدارس والخدمة الطبية .
> من جلدو إلى قولو رئاسة محلية وسط دارفور التي خرجت عن بكرة أبيها لاستقبال النائب ووفده، وفور الوصول تحرك الوفد بالسيارات الى منطقة سرونق التي كانت مقر القيادة العامة للتمرد وتم استردادها قبل أشهر، كان الطريق وعراً للغاية، والمسافة من قولو إلى سرونق تبلغ سبعة كيلومترات وصلناها في أكثر من ساعة لصعوبة الطريق الصخري بنتوءاته والصعود إلى قمم الجبال وهبوطها، وفي سرونق كانت القوات المسلحة المنتصرة في معنويات عالية، والمنطقة المحررة وسوقها الكبير المهجور وأحياؤها المدمرة ومزارع البرتقال والتفاح المثمرة وخالية من أصحابها، شاهدة على ما كانت عليه رغد في العيش قبل أن يدمرها التمرد وينزح الأهالي .
> عقد النائب في قولو اجتماعاً للجنة العليا لإسناد مشروع إعمار جبل مرة تناول موقف تنفيذ الالتزامات والتعهدات والخطط في مجالات الدعم الإنساني والصحة والمياه والتعليم والكهرباء وبقية الخدمات الضرورية، وإنشاء المرافق العامة وتخصيص الفرق الطبية خاصة الأطباء والاختصاصيين، والطريق الذي يربط شرق الجبل بغربه، وهو مدرج في موازنة عام ٢٠١٧م، واستعرض الاجتماعات التقارير التي قدمت في الاجتماع .
> وتمت زيارات ميدانية لمسجد قولو العتيق والمستشفى وعدد من المدارس ومحطات المياه ومقر جهاز الأمن الوطني، وكانت قولو في أوج تفردها في اللقاء الجماهيري الحاشد، حيث تقاطر أهلها من الأعالي والأسافل وكل مكان في المحلية، وتبارى المتحدثون من أهل المنطقة في عرض همومهم وقضاياهم، فالمنطقة تعاني من نقص مريع في الخدمات وكل ما يتصل بالحياة المدنية والتواصل مع المحيط المحلي القريب، المستشفى فقير بائس، المدارس لم تغادر محطة انعدام إجلاس التلاميذ، لا ماء نظيف، لا شبكات للاتصالات، لا كهرباء ولا صيدليات ولا منشآت حكومية تخدم المواطنين كما ينبغي ..
> نائب الرئيس حسبو تحدث حديثاً مباشراً ومؤثراً للأهالي المحتشدين أمامه، تعهد فيه بإعمار المنطقة وتوفير الخدمات بعد أن توفر الأمن، وتعهد بإتمام كل المشروعات المدرجة في عملية الإسناد، وتحدث عن إنفاذ الطريق، وأعلن عن دعم التعليم والصحة وغيرها من المجالات، حاثاً الأهالي على تعليم أبنائهم لأنه الطريق الوحيد نحو المستقبل .
> كانت طوابير النساء تمتد لمئات الأمتار وهن يحملن على رؤوسهن أواني الطعام والمندولات عليها أقداح العصيدة في مشهد يجسد كرماً نادراً كأن المشهد كله مُسْتل من دفتر أساطيري آخاذ .
الصادق الرزيقي – أما قبل
صحيفة الإنتباهة