حواء الطقطاقة .. المرأة النخلة

لم تك وصية الفنانة حواء الطقاطقة بأن يحمل جثمانها من منزلها إلى منزل الزعيم الراحل إسماعيل الازهري من فراغ، ولم تذرف الدموع السخينة وترافق جثمان نجله (محمد) إلى مقابر البكري جنباً إلى جنب مع الرجال، وتعلن على جموع المشيعين أنها كانت تريد محمداً هو من يكفنها ويصلي على جثمانها أيضا من فراغ، ففي الواقعتين دلائل على أن الطقطافة ربطت نفسها بالعمل السياسي والغناء للوطن، وظلت شديدة الصلة والوفاء لكل ما له علاقة بالاستقلال، وحب الوطن وفي كل مناسبة وطنية تجد اسمها يلمع بصوتها الجهور، كما أن ارتدائها لعلم السودان ثوباً طيلة حياتها فيه تحريض على لم الشمل السوداني والاجتماع على كلمة سواء، فمن هي حواء
سيرتها تقول:
كثيرون يرون فيها مثال لكنداكات السودان ومهيراتها، لأنها نذرت حياتها مثلهن للوطن، وكانت من رائدات العمل الوطني، فهي حواء جاه الرسول (الطقطاقة)
المولودة في العام 1926
بمدينة الرهد بغرب السودان من والد صوفي وشيخ سجادة ووالدة (حكامة) أي تقوم بمدح وبث الحماس فى فرسان القبيلة، على ايقاع النحاس، وكان لا بد للفنانة حواء أن تتأثر بهذا الجو، وبطبيعة مجتمعنا السوداني المحافظ وجدت حواء الرفض من أسرتها لممارسة الغناء .
وبعد وفاة والدها الشيخ جاه الرسول هاجرت الطقطاقة إلى أمدرمان لتنمي موهبتها، وخصوصاً عندما سمعت بإنشاء دار للاذاعة هناك في بيت المال وتبث عبر مكبرات صوت في ميدان البوستة، حيث تعرفت هنالك على المرحوم الكاشف وحسن عطية وعبد العزيز داؤود وعائشة الفلاتية ومنى الخير ومهلة العبادية الذين أعجبوا بصوتها وإمكانياتها، ووفروا لها كل السبل لتنمية موهبتها، فسجلت العديد من الأغنيات الوطنية وغيرها، ومن أشهر أعمالها “العديل والزين” و “الشيخ سيرو” و”قمر السبوع”
المعارك
وتميزت حواء بقوة الشخصية وجمال الصوت القوي وكانت امرأة وطنية تؤمن بقضايا الوطن، ومن مواقفها الوطنية شاركت مع زوجة البطل علي عبد اللطيف في مظاهرة، وتم تكسير أسنانها من قبل القائد العام للجيش الإنجليزي وتم إطلاق رصاصة عليها فاصابتها في عنقها،
اعتقلت ومعها الراحل الفنان حسن خليفه العطبراوي أيام الاستعمار البريطاني، ودخلت السجن لمدة 3 شهور بعد إحياء حفلة وطنية بمسرح العمال بعطبرة
لقب الطقطاقة
تضاربت الأقوال حول لقب الطقطاقة، فهناك من يرى أن أي فنانة تعلم رقص العروس يطلق عليها اسم الطقطاقة، وهناك من يرجح ان الاسم جاء نتيجة لنشاطها ضد الاستعمار فهو اسم لشجرة من فصيلة النخيل، تصدر صوتاً، وكانت كثيرة الانتشار ونسبة لحركتها في النضال ضد الإنجليز فقد أطلق عليها هذا الاسم .
وانضمت إلى حزب الأشقاء بقيادة الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري الذي تم تكوينه قبل الاستقلال ونظمت أغاني فيه.
اول امرأة تلبس علم السودان
وتعتبر أول امرأة تلبس الثوب السوداني بألوان علم السودان، كما أنها أول إمرأة تغنت للاستقلال عندما رفع الزعيم إسماعيل الأزهري علم الاستقلال عام 1956 م، ومن أغنياتها (لا تعريفة ولا ملين عاش الشعب مع اسماعين)
رحلات
سافرت إلى مصر وشاركت بالغناء في زواج الملك فاروق على الملكة ناريمان في وجود أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ومنحت حافزاً 500 جنيه مصري، كان يعتبر مبلغا كبيراً في تلك الفترة، كما تغنت للراحل ياسر عرفات عند حضوره إلى الخرطوم لدعم القضية الفلسطينية، وهتفت لنصرة القضية الفلسطينية، وأعجب بشجاعة حواء الطقطاقة وأهداها الراحل عرفات شال وعقال ظلت تحتفظ به حتى وفاتها
مديح الرؤساء
وأعدت أغنيات في مدح عدد من الرؤساء الذين زاروا السودان ومنهم الملك فيصل والصباح وجمال عبد الناصر
كما تغنت للرئيس الراحل المشير جعفر نميري وكذلك معظم العائلات المعروفة في الخرطوم وأمدرمان، وقابلت الفنانة كوكب الشرق(أم كلثوم) عند زيارتها السودان، وأعجبت بها أم كلثوم.
أمنا حواء
ما يحمد للبرنامج التلفزيوني الشهير (بنات حواء) والذي شاركت فيه بالغناء والحديث الممتع أنه عرف الجيل الجديد من الشباب برائدة الغناء الوطني، وخلاله تم التوثيق لها ولتجربتهاالانسانية والفنية، البرنامج استمر وفياً لها وأصبح أمنا حواء
في آخر مراحل حياتها أصيبت حواء بمرض السكر، وقد كان سبباً من أسباب رحيلها عن عمر يناهز ال86 عاماً، فقد توفت صباح 10 ديسمبر 2012 ونفذت وصيتها وحمل جثمانها إلى منزل الراحل إسماعيل، كما أنشدت له يوم رفع علم الاستقلال، وظلت تزور منزله وقبره في كل ذكرى استقلال.
رسمته : دعاء محمد
صحيفة آخر لحظة





