مقالات متنوعة

المحك

كنت بعيدة عن دائرة اهتمام الإعلام الذي سيطر عليه قرار فك الحظر، ورفع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على السودان منذ 1997م، ولحجم الخطوة الهائلة إعلامياً، تلقيت الخبر من أحدهم أثناء وجودي في منطقة جبل عامر شمال دارفور، وحينما وصلت مدينة الجنينة، كان حديث الشارع، رفع العقوبات، وانخفاض سعر الدولار.. شعرت بحاجة هذا الشارع إلى أي شعور بالانفراج.
حينما وصلت الخرطوم، وطالعت الصحف، وبعض مجموعات (واتساب) وجدت الاهتمام تحول (180) درجة، انقسم الاهتمام.. حكومة غارقة في شماتتها في المعارضة، وحكومة منقسمة على نفسها تجاه السؤال، من رفع العقوبات- الفريق طه، أم الوزير غندور؟!.

كان متوقعاً للمتابعين بشكل لصيق أن قراراً برفع جزئي للعقوبات سوف تتخذه إدارة أوباما.. التحركات الكثيفة التي قادتها الخرطوم مؤخراً، ووصلت في النهاية إلى انتزاع قرار تأريخي، ينبغي أن تقودنا إلى السؤال الأكبر.. ما الثمن الذي دفعته حكومة السودان من أجل هذا القرار؟، ومن حقنا أن نعرف.

حينما انتهت عملية الاستفتاء على مصير جنوب السودان، والتي انتهت بانفصاله، وشهد كل العالم على سلاسة العملية، كانت الخرطوم قد فتحت فاهها لقضم الجزرة الموعودة، وقد قالها القيادات مراراً إن الخرطوم لم تجد نصيبها من الجزر بعد الاستفتاء.. لذلك نسأل.. ما الذي جعل أمريكا ترفع العقوبات الآن، ولم تتخذ القرار بعد استفتاء جنوب السودان- مثلاً؟.

المهم إن القرار قد كان، والآن الجميع ينتظر النتيجة العملية للقرار التأريخي، ومعلوم أن كل أزمة، وكل إخفاق، وكل فشل تنفيذي عُلق في رقبة العقوبات الأمريكية، الآن- المحك- أن يتحول هذا الفشل إلى بوادر تقدم باتجاه النجاح، والمحك الحقيقي هو أن تحارب الحكومة الأسباب التي أدت إلى فرض هذه العقوبات، والمحك الأكبر هو تعاطي الحكومة مع ملف حقوق الإنسان، والحريات، والديمقراطية، وهذا سيكون المرصد الحقيقي خلال فترة الـ (6) أشهر التجريبية.. هل تُدرك الحكومة حجم “المحك”؟.

الطبيعي أن يتنزل القرار على المواطن ثمراً، لكن هذا لا يُمكن التنبؤ به إلا بعد معرفة كيف تستوعب الحكومة قيمة القرار وقصر مدته التجريبية.. الآن المطلوب أن يضع الجميع الحكومة في وضع المراقبة.. على المستوى التنفيذي، التجاري، السياسي والأمني.. وبين يديها الآن وضع سياسي خانق، ووضع حريات مزري تماماً.. نحتاج إلى الضغط بقدر المستطاع على الحكومة لاختبارها، اختبار قدرتها على تجاوز إخفاقات تراكمت لعقود بسبب “شماعة” العقوبات.. اختبار قدرة تحملها للحريات.. اختبار قدرتها على محو الأسباب التي قادت إلى تكبيلنا بالعقوبات الأمريكية.. هل تستطيع الحكومة أن تمر بنجاح في الامتحان التجريبي؟.

شمائل النور
صحيفة التيار