ما بعد العودة ..!
يواجه السيد الصادق المهدي عقب عودته بعد غياب عامين ونصف ، أسئلة ملحة ، وواقع سياسي متحول ومتبادل ، وحيرة تظهر على وجوه مؤيديه وهم غارقون في لجتها وقد استقبلوه بأعداد كبيرة ، لم تحول محبتهم له من أن تظهر هذه الحيرة وتنوء بكلكلها وتظهر أثقالها .
> وللسيد الصادق قدرة مدهشة في توليد العبارات لتناسب لبوس كل حالة من حالاته السياسية ، فهو خرج وعاد صفر اليدين ، لم ينجح في تحقيق أياً من مهامه الثلاث التي تحدث عنها كرومنتيكي بارع يحسن الوصف ولا يتقن الطعان ، لكن تحدث كمن عاد مظفراً مبجلاً منتصراً ، فقد أعطى لحالته الراهنة وهو يتوشح برداء عودته الخالية الوفاض، أعطاها قيمتها الدفترية وغلبته الحيلة أن يماكس في سوق السياسة وقد تكاثر السماسرة وغاب المشتري .
> في عودته هذه ، لن يختلف اثنان أن السيد الصادق قرأ تطورات الراهن السياسي بكل أبعاده الداخلية والخارجية ، وبان سأمه من شركائه في قوى ما يسمى بنداء السودان او إعلان باريس ، فرض عليه جرد الحساب أن يعود الى وطنه ويلحق بحزبه عله ينجي سعداً بعد أن هلك سعيد، فالحرب في مرحلة من التضعضع و رث الحال ، لن يكون بمقدور حزب مثله أن يتهيأ للفترة المقبلة وتفاعلاتها وتحولاتها ، فالسيد الصادق بعد كل رهاناته الخاسرة بالخارج ، لا يريد أن يضيف إليها خسراناً آخر يتراءى لكل ذي عين مبصرة والحزب وهو في خريف العمر .
> اذا قلنا إن الخيارات ضئيلة ومحدودة أمام زعيم حزب الأمة وهو عائد الى الحلبة السياسية الداخلية بكل ما بها من تحدٍ، فليس ذلك ببعيد عن الواقع ، لسبب بسيط للغاية ، لم يفلح سيدنا الصادق في جمع قوى المعارضة والمجموعات المتمردة التي تحمل السلاح ، لم يوحد كلمتها ولا وسائل عملها ولا حتى اتفاقها على من يقودها ويرأس اجتماعاتها ، ولم يتحقق له أي مسعى لحشد الموقف الإقليمي والدولي لصالح المعارضة التي هو جزء منها ، فلم يكن لديه من يستمع لدعواه ومرافعاته، ولم يصبر على الطعام السياسي الواحد الذي كان يطبخ في كافتيريا المعارضة المسلحة ، كما أنه لم تنزل إليه مائدة سياسية من السماء فيها كل صنوف أحلامه وتمنياته من فومها وبصلها وعدسها وقثائها ، فحمل معه خفي حنين وعاد .
> ولن تنتطح عنزان في أن وجود السيد الصادق بالداخل ، سيسهم في معالجة بعض أدواء حزبه ، وسيكون له أثر ملموس في الحياة السياسية والبلاد تتهيأ لمرحلة ما بعد الحوار الوطني ومخرجاته، فهل سيكون الرجل على أتم الاستعداد لكي يتفاعل بإيجابية مع الأجواء الراهنة ، ويتعاطى مع معطيات وحقائق المرحلة منها القبول بما خرج به الحوار الوطني وما حوته الوثيقة الوطنية ؟ وهذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون طرفاً في الحكومة المقبلة او جزءاً منها ، فالحكومة المقبلة لمن أراد ورغب ، أما اذا رغب السيد عنها وأشاح بوجهه عنها فلا تثريب عليه ، فهو سيكون جزءاً من الترتيبات الشاملة للإصلاح السياسي في البلاد وإذا دخل حزب الأمة القومي في اللجنة القومية التي ستضع الدستور الدائم في البلاد .
> لا أحد يتمنى بقاء حزب الأمة القومي وحيداً منفرداً من بين القوى السياسية التي ابتدرت الحوار الوطني وشاركت فيه عند إعلانه ، كما أنه لا أحد سيصر عليه أن يدخل الحكومة، فإذا دخل السلطة شريكاً فهو مرحب به بلا شك ، وإذا قرر أن يبقى في خانة المعارضة الداخلية في نضاله المدني مرتضياً قواعد اللعبة السياسية، سيكون موقفه هذا محل تقدير واحترام ، لكن هل هذه هي أفضل الاختيارات للحزب ام أسوأها ..؟
> اذا كان السيد الصادق في عودته يدرك ما عليه أن يفعله حيال حزبه وترميم صدوعه وانتشاله من حالته الراهنة وترتيب أوضاعه ، فإن المدخل الى ذلك هو الاعتراف الكامل بإخفاق عظيم يحسب عليه هو شخصياً بتوقيت فرص التقارب الداخلي في صفوف الحزب والتقارب مع الآخرين ومنهم المؤتمر الوطني في بناء تحالف وطني على قواسم مشتركة ومشروع وطني يجعل البلاد تعبر للضفة الأخرى. .
الصادق الرزيقي – أما قبل
صحيفة الإنتباهة