الأمانة.. قصة واقعية يسطرها الصدق والمروءة والشهامة
كان صابر والطيب وعصام يجلسون في صالة الإنتظار بمطار الخرطوم في طريقهم إلي القاهرة ، عندما لاحظوا أن شخصا من أمن المطار يمر بجوارهم عدة مرات !!؟وكانوا يستأنسون بإجترار ذكريات مدرستهم الثانوية حنتوب والطرائف والمواقف التي مرت بهم فيها ..
وبعد عدد من الدوران توقف الرجل عندهم وسلم عليهم وسألهم فقط عن أسمائهم ، وقال لهم : بصراحة أنا عندي أمانة قيمة جدا وأخاف عليها كثيرا ، وأنا لي اكثر من ساعة اتفرس في وجوه المسافرين وأستمع لحواراتهم فلم أجد من أطمئن إليه غيركم ، فقالوا له اعتبرها وصلت إلا أن يحاط بنا كما قال أبناء يعقوب .. ولم يمكث كثيرا حتي جاء وكانت المفاجأة .. عروس ، في كامل زينتها وحلتها .. وقال لنا هذه أختي سعاد وهذا عنوان زوجها المهندس عمر ، أرسلت له تلغرافا لكي يستقبلها في المطار .. سلمي يا سعاد علي إخوانك .. سلموا عليها وباركوا لها وإطمأن شقيقها إنها في رفقة مأمونة وودعهم وانصرف .
ساعات غادروا ووصلوا مطار القاهرة ، وكانت المفاجأة الثانية التلغراف لم يصل ولم يجدوا العريس في المطار .. فقرروا أن يذهبوا بها مباشرة الي شقة العريس ، وفعلا العنوان صحيح ونزلوا العفش عند مدخل العمارة ولكن المفاجأة الثالثة العريس غير موجود !!؟
أخبرهم بواب العمارة مع غسق الفجر والشمس تتأهب لتنشر نورها أذانا بمولد يوم جديد أن المهندس عمر في العمل ولن يعود إلا الثالثة بعد الظهر !
شعروا باليأس والإحباط وقد بلغوا مبلغا من التعب والسهر قبل أن يكمل ولكن في سودانيين في الشقة الفوق .. وعادت الإبتسامة مرة أخري وهم يحملون العفش إلي أعلي .. وبعد عدة طرقات فتح لهم شابا الباب ، قالوا له معنا زوجة المهندس عمر وهو في العمل .. دخلوا الي الشقة والتي ببدوا عليها ملامح الفوضي في كل شيئ ، طلبوا منهم أن يخلوا غرفة لسعاد ففعلوا .. وقالوا لها اقفلي عليك الغرفة من الداخل ولا تفتحي لإي زول حتي لو قال لك أنا عمر ، إلا إذا قلنا لك عصام الطيب صابر .. قالت حسنا واحكمت اغلاق الباب ونامت سريعا من شدة التعب .
قال صابر لأحدهم والله أنا مصدع من الشاهي .. ممكن لو سمحتو كباية شاهي ؟
قالوا : ما عندنا سكر .. كان استقبالهم باهتا وسلامهم باردا ولم يقدموا للضيوف أي حاجة ولم يستحوا أن معهم بنت عروس ..
وبينما هم جالسين علي كنبة وقع بصرهم علي زجاج الويسكي والشري والبيرة تحت السرائر ، الله !! كيف ننام مع هؤلاء السكاري الحياري ونغفل عن الأمانة التي حملناها ؟ فإزداد خوفهم وغلقهم وقرروا أن يناموا بالتناوب حتي يأتي العريس الساعة الثالثة ويستلم أمانته ، فكان كل واحد منهم يكون صاحي ساعة ثم ينام ، حتي فتحت الباب سعاد لوحدها وخرجت بعد أن أحست أن الجميع قد أفاقوا ..
ونظرت في أمانة وشهامة ومروءة هؤلاء الشباب وحرصهم وخوفهم عليها وفي النقيض الآخر اصحاب الشقة الذين يربون الأظافر ويلبسون السلاسل وخرجت سعاد من صمتها ووجهت حديثها اليهم : بالله عليكم انتوا رجال وديل رجال .. انتوا سودانيين وديل سودانيين ، لا بسين سلاسك كمان .. انتوا اولاد ولا بنات .. يا خسارة ، يا خسارة ، والله خسرتوا اسم السودان ، وشوهتوا صورة السودان ..
لم يرفع واحد منهم عين ، ولم ينبثوا ببنت شفة وطأطأوا رؤوسهم صامتين .. كثر الله من أمثالك يا سعاد ..
بعدها بلحظات دق جرس الشقة وكان المهندس عمر الذي لم يفت علي البواب أن يبشره ليأخذ البقشيش .
ذهبوا معه الي الشقة وعند الباب قالوا له استلم أمانتك ، نحن ماشين ، فأقسم عليهم أن يدخلوا وأن هذه الشقة من اليوم شقتهم وأن هذه سعاد أختهم في غيابي وفي وجودي وشكرهم علي شهامتهم ومروءتهم ، فقال عصام خلاص بس نحن ما عاوزين أي حاجة غير شاهي وانا حلفت كمان تسوويهو لينا سعاد .. قالت سعاد شاهي بس ، والله عيوني ليكم .. انتو السويتوهو معاي دا انا ما بقدر اردوا .. لكن اذا ربنا رزقني بي أولاد بسميهم ، عصام ، الطيب ، صابر ..
ما أسعدني أكثر في هذه القصة أن من بين هؤلاء الرجال الطيب وهو شقيقي .
أحمد بطران
دئمنا السودانيين اسيات مبادى وحسن واخلاق ورجول ومرجلة في اي مكان فوق ومعروفين بلشهامة
عفاارم عليكم. ..