قصة أول ممرضة عربية: تطوّعت لخدمة الجنود في غزوة «بدر» وعلمت النساء فنون التمريض
سُجل تاريخ الطب في الأدبيات مُقسمًا إلى عدة مراحل، بدءًا من قديم الأزل وإلى الآن، واحتلت الحضارة الإسلامية جُزءًا هامًا من صفحات التاريخ، كما عرف الإنسان المرض وفنون الطب والتمريض منذ زمن بعيد، ولكن لوحظ عند دراسة المخطوطات التاريخية أن هذه المهارات اختلفت في طبيعتها من الشرق إلى الغرب.
وأبرزت المخطوطات ارتفاع المهارات الطبية فى جميع الحضارات، بالإضافة إلى التمريض الذى لا ينفصل عن الطب، وكان العرب يطلقون اسم «الآسيات» أو «الأواسي» عن النساء اللواتي كن يعملن في تضميد جراح المقاتلين وتجبير كسورهم وإيقاف نزف دمهم وغيرها من أعمال الإسعاف، وفقًا لما نُشر من معلومات على موقع «طبيبك».
وأجاز الدين عمل المرأة كمسعفة وممرضة وقد جاء نص «الإمام أحمد بن حنبل» على أنه «يجوز للمسعفة أن تخدم الرجل وتشاهد منه عورة في حال المرض والمداواة»، وكان إسعاف الجرحى من اختصاص فضائل النساء العربيات يتخذنه واجبًا، وكن يسرن جنبًا إلى جنب حاملات أواني الماء والغذاء ولفائف القماش لتضميد الجراح وجبائر الكسور وغيرها.
كما يرافقن الرجال كمسعفات، يرعين الجرحى ومنهن من يشتركن في المعارك، وقد جاء في كتاب «مختصر تاريخ الطب عند العرب» للدكتور كمال السامرائي أن الممرضات العربيات قد ساهمن في معارك بدر وأُحد وخيبر مساهمة فعالة فقد كن يقدمن الماء والغذاء والدواء للمحاربين وإسعاف الجرحى ووقف النزف وتجبير الكسور داخل خيام أقمنها وكانت مجهزة تجهيزاً كاملاً كالعيادات ولها نظام طبي يشرفن عليه.
ومن أوليات النساء اللاتي عملن ممرضات في التاريخ الإسلامي سيّدة تُدعى رُفيدة الأنصارية أو الأسلمية، وتقول الكاتبة، نادية الكيلاني، وفقًا لما نقله الكاتب، حمدي عبد الرحيم: «كان أول ظهور لرُفَيدة عندما عاد المسلمون من بدر منتصرين، وكان بينهم بعض الجرحى، فمنهم من عالجه أهله، ومنهم من لم يكن له مال ولا سكن ولا أهل».
وفى تلك الأثناء تطوعت رُفَيدة لخدمة هؤلاء بإسعافهم وتضميد جروحهم ومداواتهم وتقديم الغذاء لهم، فنصبت فى المسجد خيمة تجمعهم، وحملت معها أدواتها وعقاقيرها وعكفت على علاجهم أياما حتى بَرئوا واندملت جراحهم، وظهرت خيمة رُفَيدة على مسرح الأحداث بشكل واسع ابتداء من يوم غزوة أُحُد، عندما كانت تستضيف الجرحى، تضمِّد جروحهم، وتُسعفهم، وتسهر على راحتهم، وتواسيهم.
وكانت تخرج فى الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجمال، ولأنها فذة ولم تتعلم من غير معلم، كما يظهر من كتابات المؤرخين، فقد انتهزت فترة هدوء وسلام بين المسلمين وعدوهم وراحت تعلم جماعة من نساء المسلمين فنون التمريض.
وذكرت سعاد حسين قصة رفيدة في «كتاب الطب الإسلامي» الذي صدر عن المؤتمر العالمي أن رفيدة استنكرت طريقة والدها سعد في معالجة المرضى بالكهانة وجشعه في أخذ الأموال منهم، كما كانت تنفق على عملها هذا من حُرِّ مالها، وخالص ثروتها، متطوعة بالجهد والمال في سبيل الله. فكانت مجاهدة بمالها ونفسها.
وبعد فترة صغيرة، أصبحت رُفَيدة كبيرة طبيبات العرب والمسلمين ومعها فريق عمل هى التى تقوده بعد أن علّمته، ولأن رسولنا كان فذًّا وكان يعرف أقدار الناس ويُنزلهم منازلهم فقد أمر وهو الرسول والقائد الأعلى للقوات المسلحة أن تقام لرُفَيدة خيمة فى مسجده، تلك الخيمة ستكون بداية معرفة العرب والمسلمين بنظام المستشفيات حتى إذا جاء العام الثامن والثمانون من الهجرة أصبح للمسلمين واحد من أكبر المستشفيات فى العالم، حتى إنه ضم قسمًا خاصًّا لمرضى الجذام.
وفى غزوة أصيب الصحابي، سعد بن معاذ، إصابة خطيرة، ولولا تلك الإصابة لما كنا عرفنا شيئًا عن السيدة رُفَيدة، روى مسلم عن عائشة رضى الله عنها، أنها قالت: «أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق بسهم أطلقه أبو أسامة الجشمى حليف بنى مخزوم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم رُفَيدة بأن تقيم خيمة فى المسجد ليعوده من قريب».
المصري لايت