رأي ومقالات

الإمام الصادق ونداء السودان

بلادنا تمر بمخاض نحسب أنه بداية طيبة في طريق التقدم والنماء، وأولى الخطوات كان حوارنا الجامع الشامل الوطني الخالص دونما تدخلات خارجية، حيث تنادى أبناء السودان المخلصون الحادبون على مصلحة البلاد إلى الحوار الوطني الذي لم يترك شاردة ولا واردة في نظام الحكم والهوية والحريات والاقتصاد والعلاقات الخارجية إلا وضع لها إطاراً ومرجعية تحكم التعامل معها، وكانت أولى ثمرات الحوار والتقدم في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات والحصار الاقتصادي على السودان الذي دام لفترة عقدين من الزمان كانت لها آثار سالبة على الحياة العامة وخاصة الاقتصادية، وقد سبق ذلك انحسار التمرد بولايات دارفور برجوع معظم المتمردين ومشاركتهم في الحوار الوطني بما يقارب أربعين فصيلاً، وتبعه توقيع حركة تحرير السودان الثورة الثانية بقيادة نائب عبدالواحد نور الأستاذ أبوالقاسم إمام حاج الذي قضى على حركة نور برجوع معظم القادة وانضمامهم للسلام والحوار الوطني ،والحدث المهم عودة الصادق المهدي بعد اقتناعه بأن وجوده خارج البلاد في منفاه الاختياري لا يخدم قضايا الوطن ولا حزب الأمة على أقل تقدير.

المعارضة المسلحة لا تقبل بود المهدي قائداً لها رغم تبنيه لأجندة الجبهة الثورية لإسقاط النظام في حدها الأدنى عن طريق العصيان المدني والثورة الشعبية التي ظل الإمام يدعو لها منذ مجيء الإنقاذ وحتى يومنا هذا، وقد فشلت كل محاولات المعارضة الناعمة والخشنة لإسقاط النظام بالسلاح أو تحريك الشارع لسبب بسيط وهو أن ما تمخضت عنه ثورات الربيع العربي كان سيئاً ومحزناً (والسعيد يشوف في أخوه)، ورغم الضيق وصعوبة الحصول على ضروريات الحياة والتضخم والتردي في الخدمات، إلا أن الشعب آثر التمسك والصبر على حكومة الإنقاذ بديلاً للدماء والدمار.

تكررت الدعوات والنداءات للمعارضة بشقيها الناعم والخشن بالانضمام لركب السلام وتغليب الوطن وأهله وسلامه وأمنه على المصالح الخاصة والنزعات القبلية والجهوية، الحقيقة التي يتعامى عنها حزب الأمة وخاصة قيادته، هو أن التمرد في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق سببه هو الإهمال الشديد لتلك المناطق وانعدام الخدمات الأساسية منذ الاستقلال وأن حزب الأمة قد حكم البلاد لفترات متقطعة لم ينتبه لتلك المناطق إلا أيام الانتخابات وتصدير النواب من المركز إلى المناطق المهمشة، فهو حزب طائفي رجعي تتحكم فيه أسرة المهدي وتتوارثه حتى يوم الناس هذا وقام على الولاء الطائفي الديني الأعمى في لحظة من لحظات التاريخ حيث كانت الأمية تضرب كل البلاد ومثله الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تتشابه مكوناته بحزب الأمة.

المتمردون ينظرون للصادق المهدي بأنه من الجلابة مثله مثل البشير أو المرحوم الترابي ولكنهم فقط يلتقون معه في نقطة معارضة الإنقاذ ويستخدمونه للوصول وتحقيق أجنداتهم ولن ولم يسمحوا له بوصول السلطة التي يحبها جداً على أكتافهم، هذه حقيقة يجب أن ينتبه لها حزب الأمة وقادته وخاصة الحبيب الإمام وأني لأتعجب كيف مرت هذه اللعبة على الحبيب الإمام الصادق المهدي، فهو رجل ذكي ولماح.
الدرب راح في الموية للمعارضة بالتحول الدراماتيكي في السياسة الأمريكية تجاه السودان ورفعها للعقوبات من السودان، وهذا يعكس أن السودان قد تعامل مع الملفات التي بموجبها فرضت الولايات المتحدة العقوبات مثل ملف الديمقراطية وقد تحسن بقيام الحوار الوطني وصدور الوثيقة الوطنية، أما ملف حقوق الإنسان فإنه لا يوجد سجناء سياسيون مع مبادرة الحكومة بوقف إطلاق النار والتوقيع على خارطة الطريق لحل الأزمة في المناطق الثلاث بوساطة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة سام أمبيكي الرئيس السابق لجنوب أفريقيا والسماح بتوصيل الإغاثة للمناطق المتأثرة بالحرب، ورغم كل هذا ونداءات المجتمع الدولي المتكررة ودعوته للحركة الشعبية بالجلوس للحوار والانضمام لركب الحوار ظلت الحركة الشعبية تنزع للحرب متجاهلة كل النداءات والخطوات المتقدمة لنزع فتيل الأزمة والوصول لتسوية شاملة انتظرها أهل تلك المناطق طويلاً.

وضع المؤتمر الوطني الحصان أمام الكارو وتقاسم مع كل التنظيمات السياسية والحركات المسلحة والشخصيات القومية والإدارات الأهلية، تقاسم معهم هم البلاد ومشاركتهم في صناعة السياسة والاقتصاد وبسط الحريات والشورى لحل أزمة البلاد السياسة ووقف الحروب والتوجه نحو البناء والإعمار في ظل الانفراج في علاقاتنا الخارجية وتحسنها بعد رفع العقوبات، ما علينا إلا الاستغلال الأمثل لمواردنا البشرية والطبيعية المهولة للنهوض ببلادنا والعيش في سلام وعبادة رب الأنام.
وكعادتنا دائماً نرسل رسالتنا للإخوة في الحركات المسلحة بأن الوقت قد حان للعودة وأرضاً سلاح لنبني وطناً عزيزاً علينا وأنتم إخوة كرام بررة جمعنا بكم هم الوطن وتنميته وكريم العيش لأهله، وطننا واسع فسيح يسعنا جميعاً وكما قال الشاعر:
لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق.

راي:إبراهيم عبدالدائم الصديق
صحيفة آخر لحظة

تعليق واحد