توحش..!
حادثتان شنيعتان وقعتا خلال أسبوع واحد.. مريض يدخل على طبيب، ثم ينهال عليه طعنا بالسكين، ولا يتوقف إلا بعد ما تأكد أن فريسته لم يتبق لها أمام الموت إلا ثوان معدودة، ذلك ما شهدته مدينة سنار الخميس الماضي، تعددت الروايات التي تتفق جميعها في أن القاتل حمّل الطبيب مسؤولية حالته المرضية، التي يعتقد أنها تعقدت بسبب هذا الطبيب، وفقا لما أفاده به طبيب آخر.
في نهر النيل حادثة لا تقل فظاعة من تلك.. خلاف حول بئر في مناطق التنقيب عن الذهب، ووفقا لصحيفة (آخر لحظة) فإن حكما قضائيا صدر لصالح القتلى، الذين تم العثور عليهم مذبوحين، ومهشمي الرؤوس.. الجناة قاموا باختطاف ضحاياهم، وانتقلوا بهم بعيدا، ثم نفذوا مجزرتهم الشنيعة.
الحادثة الأولى ما هي إلا تطور طبيعي لسلسلة الاعتداءات المتكررة ضد الأطباء، والتي بدأت بالاشتباك اللفظي، مرورا بالاعتداء الجسدي، وصولاً إلى القتل الوحشي، ولا شيء بعد ذلك، إلا أن يتسلح كل طبيب بسلاحه، أو يحمي كل اختصاصي نفسه بحارس أمن خاص داخل غرفة الكشف الطبي.. مهما بلغ العداء بين المريض والطبيب لا يمكن أن يتخيل طبيب أن يأتيه قاتله في هيئة مريض، يدفع قيمة الكشف، وينتظر دوره، ويدخل لينفذ جريمة مثل التي وقعت في سنار.. الأطباء ليس أمامهم إلا أن يستيعضوا بالكلاش بدلا عن جهاز كشف الضغط، أو أن يمارسوا مهنتهم في الشارع المفتوح، أو يتركوا المهنة؛ حفاظاً على أرواحهم.
حادثة نهر النيل تشير إلى ما هو أخطر من الوضع الذي بلغه الأطباء.. هذه الحادثة تؤكد أن المواطن أصبح يأخذ حكمه القضائي بيده، وبالطريقة التي يراها مناسبة، هذه الحادثة لا تعبّر- فقط- عن تحد أو رفض حكم قضائي، أو حتى التشكيك فيه، هي تعبير واضح عن واحدة من أخطر صور أخذ القانون باليد.
هذه الوحشية- التي تشبه تماماً ما بلغه الحال- هي ليست دخيلة، ولا نسأل من أين جاءت.. هي تطور طبيعي لغياب القانون، وفقدان للثقة بشكل كامل في أجهزة الدولة، هي حالة انفصال بين المواطن والسلطة.. حادثة لص (اللاماب) الذي تعرض إلى تعذيب وحشي بالشطة، وتم تصويره بواسطة شباب أظهروا أنفسهم مثل الفرسان، هذه الحادثة كانت قد عبّرت بدقة متناهية عن واحدة من أخطر صور أخذ القانون باليد.. مبرر هؤلاء الشباب أن اللص تردد كثيراً، وفي كل مرة يلقى القبض عليه، ثم يطلق سراحه، هم يعتقدون أن القانون لم يرد لهم حقهم، ففضلوا أخذه بأيديهم.
شمائل النور
صحيفة التيار