مجددون …أمل يتجدد
بضعة ألاف من الأطفال تتفاوت أعمارهم وتختلف سحناتهم وقبائلهم التي انحدروا منها وتباينت ظروفهم التي أودت بهم جميعاً الى طريق واحد فولجوا عالم محزن هو عالم التشرد.
ينتشرون في وسط العاصمة وقد جعلوا من شوارعها الكبيرة سكناً لهم وهم يقتاتون من بقايا أطعمة جاد بها عليهم بعض المارة وتستر أجسادهم خرق بالية عفى عليها الزمن، نهارهم حركة دؤوبة في لاشئ فهم هائمون على وجوههم لا يدركون من الحياة إلا اللحظة التي يعيشونها ولا يعرفون قيمة للزمن الذي يتسرب من بين أيديهم وهم على حالهم لا يتغيرون .
لا يعرفون لهم هوية ولا وطن وربما نسوا من هم أهلهم وما الذي القى بهم في طريق الهاوية، نهارهم طويل يبدأ مع أول خيط للشمس حين الشروق وليلهم حالك كعتمة حياتهم لا يعرفون للفجر معنى ولا يهمهم إن طال ليلهم أو قصر فلا هم يراودهم ولا شيء غير اللا مبالاة والضياع .
عالم غريب أفرزته كثير من الأسباب فالحروب أولها والمشاكل الأسرية بعضها والتمرد على النظام والقوانين تعد سبباً أيضاً ..هؤلاء الأطفال نمر بهم ولا نأبه لهم فقد أصبحوا جزء من الشارع العام وتفاصيله فلا يلتفت اليهم أو يحاول السؤال عنهم إلا من أكثر التأمل في تلك الحالة المذرية التي يعيشون فيها وكان يملك قلبا فاض بالرحمة والحنان ..ومن يملك هذه القلوب الرحيمة في بلادي سوى شباب نذروا بعضاً من جهدهم ووقتهم لينظروا الى حال هؤلاء وأمثالهم .
منظمة مجددون واحدة من المنظمات الكبيرة التي تعمل في مجال العمل الطوعي بقيادة شباب يحملون هم كل مفجوع، هذه المنظمة التفتت الى هؤلاء الأطفال وقرروا أن يقوموا بعمل كبير نحوهم، ذهبوا الى شارع النيل حيث يتواجدون هناك بكثرة وأعدوا لهم وجبات طعام واجتمع الأطفال حولهم ليسدوا رمق الجوع الذي أرهقهم واستمروا بتقديم الوجبة لمدة خمسة أيام متواصلة خلطوها بفيض من حنان أغدقوهوعليهم وأشعروهم بالأمان وبأنهم جزء مهم من هذا الوطن فجلسوا معهم وسألوهم عن أحوالهم وكانت المفاجأة فقد وجدوا من بينهم طفلاً يحفظ عشرين جزء من القرآن ..إذن فهناك بذرة خير فقط تحتاج الى سقيا، بعد تقديم الوجبات قرروا أن يقدموا لهم وجبة خفيفة من العلم ولم يلزموهم بالذهاب الى فصول مجهزة لأنهم يعلمون أنهم ينفرون من التقيد بالقوانين والانظمة فنظموا لهم فصلا في الهواء الطلق بقرب النيل وبدأوا بتقديم جرعات تعليمية وتربوية لهم وقد أثمرت ..بعدها كونوا لهم فريقا لكرة القدم بزي موحد وجهزوا لهم ملعبا يفرغون فيه طاقاتهم المهدرة بلا فائدة .
عمل جبار بامكانات بسيطة تشكر عليها منظمة مجددون فقد جددوا الأمل في هؤلاء الصغار التائهون وزرعوا فيهم غرسا سيكبر ذات يوم ويؤتى أكله لكن يبقى التحدي أمام هؤلاء الشباب الذين نذروا أنفسهم لمثل هذا العمل وهو الاستمرارية فلو تركوهم لعادوا لسيرتهم الأولى فهم يحتاجون لرعاية مستمرة .
بارك الله فيكم أيها المجددون فقد قدمتم ما كان يجب على وزارة رعايتنا المصونة أن تقدمه، وبارك الله في أياديكم البيضاء وكتبها الله لكم في موازين حسناتكم وجعلها لكم ظلاً ظليلاً يوم نلقاه فنبحث فيه جميعناً عن ظل يقينا حر ذلك اليوم.
اشراقات – إشراقة محجوب
صحيفة الجريدة