عثمان ميرغني

النائب العام.. الجديد!!


حَمَلت صحف الأمس في صدر صفحتها الأولى، خبر القرار الجمهوري بتسمية (النائب العام).. ليكون مولانا “عمر أحمد محمد” أول من يتولى المنصب الرفيع بعد فصله عن وزارة العدل.

وهو من الكوادر التي عملت في وزارة العدل منذ العام 1988 وصعد الدرج الوظيفي درجةً فدرجة إلى أن بلغ منصب (المدعي العام) في العام 2010، ثم أبعده وزير العدل د. عوض الحسن النور خارج (البرج) مستشاراً في المجلس التشريعي للولاية الشمالية.

من حيث الخبرة لا أحدٌ يجادل، لكن هل يُحقِّق مولانا عمر الهدف الذي من أجله أُجري التعديل الدستوري للفصل بين وزارة العدل والنائب العام؟؟.. بكل احترام لشخصه.. الإجابة هي (لا).. بل و(لا) كبيرة!!

مولانا عمر من أبرز رموز (الحلقة الضيِّقة) في الفريق الذي أدار وزارة العدل من وراء الكواليس حتى قبل بلوغه المنصب الرفيع (المُدعي العام).. خَاصّةً في فترة كانت كثير من مؤسسات الدولة (وربما لا يزال بعضها كذلك) تُدار بواجهتيْن.. واحدة مُعلنة معروفة وهي غالباً مغلوبة على أمرها تطيع واجهة أخرى تعمل خلف الكواليس وتسيطر على الحركة والسكون بل وصاحبة قرار في تعيين وفصل أصحاب الدرجات الأعلى.

وكانت الحكومة – وربما لا تزال – تؤمن بـ(العدالة المُوجّهة).. المُحافظة على شكل خارجي مؤسسي لكن مع الحرص الشديد على وجود (آلية) تَدَخُل سريع (تدير!) العدالة عند الطلب، حسب الطلب.

وبلغ من سُوء هذه (الآلية) أنها تعدّت تقديم الخدمات التي يطلبها الجهاز التنفيذي الحكومي إلى خدمة أغراض شخصية بحتة تُحقِّق مصالح فردية لمن استطاع إليها سبيلاً.

ولم تكن هذه (الآلية) سرية أو مُستترة بحيث لا تُرى بالعين المُجرّدة.. لا.. بل من فرط ثقتها في قوة وضعها كانت معلومة لكل من يهمه الأمر.. وتُحظى بهيبة ورهبة يخشاها الجميع داخل وخارج الوزارة.

الحيثيات التي بُني عليها قرار فصل “النائب العام” من وزارة العدل تتركّز في كلمات مفتاحية هي (الحيدة – الاستقلالية) بما يتطلب شخصية خارج منظومات مراكز القوى السابقة.. وإلاّ سيكون الفصل بالجسد لا بالروح.. فيفقد معناه.. وإذا صدَّقَنا أنّ الترتيبات كلها في سياق مُراجعة وإصلاح عدلي شامل، فإنّ ذلك لا يتحقّق وفق مبدأ (وداوني بالتي كانت هي الداء).. بل من الأجدر البحث عن من لم يرتبطوا بالماضي.. شخصيات قادرة على أن تمنح الإحساس بـ(مرحلة جديدة)!

بكل يقين تعيين مولانا عمر يبعث برسالة أنّ الحكومة لم تكن جادة في حكاية الإصلاح العدلي إلاّ بما تتطلّبه أحابيل المداراة السياسية والإيهام بالتغيير. وسيكون الأمر أكثر سُوءاً لو استعاد النائب العام الجديد (الحلقة الضيِّقة) القديمة.. والتي أبعدها مولانا د. عوض الحسن النور وزير العدل الحالي عند مفتتح إجراءاته الإصلاحية.. وسيتضاعف السوء لو باشر العائدون حملة الـ(دفتردار) بعد العودة الظافرة!!

على كُلِّ حَال، يظل العدل “كَعب أخيل” السلطة الحاكمة.

عثمان ميرغني
صحيفة التيار