الغول الوطني
* أذكر أنه قبل فترة استبعدت الأمم المتحدة تدفق الدعم للسودان من قبل من خلال تصريحات رئيس مكتب مساعداتها الإنسانية بالسودان والذي بدوره أكد عدم تجاوب المجتمع الدولي والمانحين مع الخطة التي قدمتها الحكومة السودانية، بسبب أنهم ظلوا يقدمون الدعم للسودان منذ عقدين من الزمن ولا زالت الأزمة متفاقمة ومعلوم أن السودان واحد من بين اثنين إلى ثلاث دول تتلقى الدعم التراكمي في العالم باستمرار.
* تكرار هذا الأمر يؤكد شيئاً واحداً لا ثاني له، وهو أننا سنعيش على (الهبات) (الشحدة)، ورغم ذلك يخرج مسؤولونا في كل يوم بتصريحات (مضللة) على شاكلة: (مزقنا فاتورة الإعانات)، وإننا اكتفينا ذاتياً، وغيرها من الشعارات الجوفاء التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به مع ما خرج به (أصحاب الدولار واليورو).
* الاكتفاء الذاتي حلم راود كل الحكومات السودانية المتعاقبة، ولكن الواقع يقول إن الاكتفاء الذاتي لدى حكومتنا الحالية يعني اكتفاءً ذاتياً (للبعض) وليس للكل.
* فكل المؤشرات تؤكد أننا أصبحنا دولة نجيد النواح والنباح للعالم، نجأر بالشكوى من (قلة الفئران) رغم امتلاء (المخزون)، ورغم أنه بإمكاننا أن نكون (سلة غذاء العالم) ذلكم الشعار الجميل الذي درسناه وأحببناه وتفاخرنا به في بدايات حياتنا الدراسية، ولكن حكومتنا وقبل أكثر من 27 عاماً كان لها رأي آخر.
* ننشئ المشاريع الزراعية ونباهي ونفاخر بها ونقيم لها الاحتفالات والمهرجانات ورغم ذلك لا زلنا نستورد الغذاء الذي لا يخلو من شبهة سرطنة بالمليارات، رغم خصوبة أراضينا، والكلأ رغم انتشار مراعينا، ونقيم المدن الصناعية ولا نصدر منها شيئاً، ولا زالت جمارك الوارد تشكل رقماً صعباً في موازنة الدولة، بل تعتمد عليها بشكل أساسي كمصدر دخل ثابت تضع به المواطن في عنق الزجاجة.
* بنينا السدود ولا زالت بلادنا عطشى على مستوى إنسانها وحيوانها، وفتحنا لها الميزانيات مصحوبة بدعاية سياسية ضخمة غطت على حقيقة الفوائد التنموية وحجمها، ورغم ذلك تظل مصر والجارة إثيوبيا هما المستفيدتان من قيام سدود فشلت في تغطية احتياجات السودان من الكهرباء، ومازالت فاتورة استيراد الكهرباء من إثيوبيا أرقامها في زيادة رغم تكتم المسؤولين.
* فصل الخريف تبقى له ستة أشهر تقريباً، ليظل هو الفصل المحبب للكثيرين من سماسرة (الإعانات الغذائية) التي تأتي عبر الطائرات والبواخر من دول (عربية وأجنبية) لضحايا الفيضانات والأمطار، ولكن في الواقع المستفيد الأساسي من لا حاجة لهم بها، ويظل المتضررون يشكون لطوب الأرض جوعاً وعطشاً وقبل ذلك ظلم (ذوي القربى).
* الإخفاقات لا حصر لها، وتلكؤ المجتمع الدولي والمانحون سيستمر طالما ظلت الإعانات والدعومات لا تصل لمستحقيها الفعليين، فالعالم كما هو معروف أصبح قرية صغيرة، وكل ما يحدث داخل السودان من تجاوزات تتناقله الشبكة العنكبوتية والوكالات العالمية قبل أن يصل إلينا !!
* الشكية لغير الله مذلة، وسرقة المال العام باتت من الثوابت في عرف النظام، فهل نعي الدروس السابقة ونرفض كل ما من شأنه المساس بكرامتنا كمواطنين سودانيين، أم نظل رهن إشارة الغول البشري المسمى مؤتمر وطني؟.
بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة