فضاء جديد
بإجازة وإمضاء تعديلات الدستور المودعة أمام البرلمان ويجري نقاشها على مستوى لجنة التعديلات الدستورية ثم يناقشها البرلمان ويقرها، تكون البلاد قد دخلت مرحلة مهمة في تاريخها، ويتوفر الفضاء الدستوري والقانوني الذي يعيش تحته كل السودانيين سواء بسواء،
وتمثل هذه التعديلات المقترحة تقدماً ملموساً في البناء الدستوري والتشريعي لتأسيس دولة يسودها القانون والالتزام بموجباته والتقيد به، وإن لم نستفد من هذه التحولات الكبيرة ونشرع في بناء مؤسسات حقيقية للعمل السياسي وبقية مؤسسات الدولة ستفلت هذه السانحة ولن يكون الدستور ولا التعديلات الحالية سوى حبر على ورق!!
> من واجب المكونات السياسية والأحزاب والمهنيين وفقهاء القانون والعلماء والخبراء، العمل على توضيح أهمية هذه المرحلة التي نعيشها، وهي فترة ما بعد الحوار الوطني التي يستكمل فيها البناء التأسيسي لانتقال الدولة في كل جوانبها الدستورية وهياكلها إلى باحة الإصلاح والتوافق والتراضي على نظام سياسي مستقر ونهضة شاملة.
> ولا يفهم الإخوة في المعارضة أهمية هذه الخطوات، فواضح من التعديلات المقترحة التي تتوافق مع مخرجات الحوار الوطني أن الأفق والعقل مفتوحان على أية خطوات ضرورية تتطلبها عملية الإصلاح السياسي والهيكلي، وليست هناك حدود في أية خطوة فيها منفعة ومصلحة عامة إذا كانت تجذِّر التداول السلمي للسلطة وتنهي الحلقة الجهنمية في دورات الحكم، وتنشر ثقافة السلام والوفاق والحوار والتجادل بالحسنى.
> لذا ليس من مصلحة الحكومة أن يظل النقاش حول التعديلات الدستورية فقط نقاشاً محصوراً تحت قبة البرلمان، فليخرج إلى الهواء الطلق وليصبح مادة متداولة بين كل فئات الشعب، حتى يكون الجميع على بينة مما يجري لأنه يتعلق بمصائرهم وحياتهم ومستقبلهم، فمرحلة ما بعد الحوار ومخرجاته لا تقل أهمية عن أيام الحوار التي مضت وانتهت في العاشر من أكتوبر من العام الفائت.
> من الضروري ألا توصد الأبواب فقط حول هذه التعديلات لنواب البرلمان، فالرأي العام عن طريق أدواته الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة عليه أن يهتم بطرح هذه القضايا على الناس كافة، ويسترجع ردود أفعالهم عليها، وليُصوب ما يمكن أن يصوب ويُحذف ما يستحق الحذف ويُضاف ما تصلح إضافته، كما أن القوى السياسية داخل البرلمان وخارجه مطالبة بتوجيه النقاش والمجادلة حول هذه التعديلات حتى يكون الجميع على بينة من الأمر.
> غير هذا المنحى لا يمكن لبلدنا أن يتطور وينهض، فتهيئة الأجواء للحكومة المقبلة بكل محمولاتها المتفق عليها، تتطلب وعياً سياسياً فاعلاً وثقافة دستورية وقانونية بالحقوق والواجبات، فالشعب سيرشد في اختياراته وتقييمه، والحكومات سترشد هي أيضاً في حكمها وممارسة أعمالها، فلا إصلاح بلا وعي، ولا وعي بلا حركة واسعة لأدوات العمل السياسي لتثبيت دعائم النهضة والبناء مع بشائر واقع جديد.
> وبالنظر للتعديلات التي يجري نقاشها، فإن القضايا المتعلقة بالحريات السياسية وحرية التعبير واستقلال القضاء تعتبر من القضايا الشائكة المختلف عليها دائماً بين الحكومة والمعارضة، وهي ميدان فسيح للمزايدات السياسية والمماحكات الحزبية، والمطروح فيها لا خلاف حوله، ولن تتسع شقته بأي حال من الأحوال إذا نظر الجميع بعين حصيفة إلى ما ستنتهي إليه الأمور من إقرار لديمقراطية حقيقية تصان فيها الحريات العامة وتقل فيها غائلات السلطة وطغيانها التي لا تناسب طبيعة الشخصية السودانية المتسامحة.
> ومن أهم الملاحظات التي نطق بها مراقب أجنبي يتابع الشأن السوداني عن كثب ولا تخفى عليه خوافي العمل السياسي اليومي: (إن حكومة السودان وهي قابضة على زمام السلطة وخطامها، تقدم على خطوة جبارة كهذه وتبسط يدها للجميع، وتقيد نفسها بقانون ودستور، وتشرك الآخرين في كيفية إدارة شؤون الحكم والبلاد، هي بالفعل حكومة قوية وقادرة وتستحق الإشادة، لأنها تعرف إلى أين تمضي وكيف تسير بالمركب الذي تمسك بدفته).
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة