الصمغ العربي.. كلمة مرور الخرطوم إلى قلب “اليانكي”
حينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقسو على الحكومة السودانية وتضعها تحت طائلة الحظر الاقتصادي، كان الصمغ العربي مثل الفتى المدلل، يمشي في أسواق واشنطن دونما قيد، ويصل إلى الأسواق العالمية دونما اعتراض من أحد، حتى إن كثيرين وصفوه وقتها بأنه اللاصق الوحيد بين الخرطوم والغرب. ولعل هذا ما جعل بعض المراقبين يطالبون بضرورة استخدام استثناء الولايات المتحدة الأمريكية للصمغ العربي من العقوبات الأمريكية التي فرضتها على السودان. إلا ان خبراء اقتصاديين قللوا من إيجابيات هذا الاتجاه وقالوا إن قرار الحظر الأمريكي الذي تبنته واشنطن بني على مبررات وأسس لا يمكن أن تتغير بمثل هذه الدعوات وأكدوا استحالة استخدام الصمغ العربي كرت ضغت على أمريكا لرفع الحظر الاقتصادي.
ذات الآراء لا يراودها شك أن أمريكا تحتاج للصمغ العربي، ولكن ليس من الضروري استيراده مباشرة من السودان لجهة ان الاستراتيجية التجارية الدولية معروفة للجميع، ويمكن لواشنطن أن تحصل على الصمغ العربي دون الحاجة إلى تطبيع العلاقات مع الخرطوم، واستبعدوا وجود أي ضغط من قبل شخص على قرارها بشأن الحظر الاقتصادي في إشارة الى دعوة المستشار الاقتصادي بالسفارة الأمريكية في السابق باستخدام المنتج كرت ضغط على واشنطن لرفع الحظر واستندوا في قولهم على أن أمريكا لها معايير في الحظر شملت حتى حقوق الإنسان، لذلك لن تغير موقفها ما لم تقتنع بإيجابيات التغيير وطالبوا بأهمية أن تكون الحكومة أكثر واقعية فيما تتخذه من محاولات في إعادة العلاقات مع أمريكا وعدم الاعتماد على مقترحات هزيلة وأطروحات بائسة مثل التي جاءت على لسان المستشار الاقتصادي، والناظر إلى قطاع الصمغ العربي يحتاج للدعم لتقليل نسبة الفقر فيه والمحافظة على البيئة، في وقت يقدر فيه عائد المحصول بواقع 150 مليون دولار مما يتوجب ضرورة وضع البنوك أولوية التمويل لمناطق إنتاج الصمغ خاصة وأن السوق العالمي ظهرت فيه استخدامات كثيرة لشجرة الطلح، إضافة إلى مكافحة تهريب كميات مقدرة من السلعة إلى أسواق دول الجوار خاصة الدول غير المنتجة للصمغ.
النظر بجدية لتحريك المورد
ويشير الأمين العام لمجلس الصمغ العربي دكتور عبد الماجد عبد القادر أن الصمغ العربي ينتج في حزام طويل يتمدد في أفريقيا من الشرق إلى الغرب من مدينة داكار غربا وإلى جيبوتي شرقاً وينحصر بين خطي عرض 10-14 شمالاً، وهذه منطقة تعرف بالسافنا الفقيرة في تعريف المناخات، بالنسبة للسودان يتمدد حزام الصمغ العربي في 12 ولاية من حدود السودان المتاخمة مع إثيويبا وإرتريا شرقاً إلى حدود السودان من دولة تشاد وأفريقيا الوسطى غربًا، لافتاً الى أن مساحة الصمغ الغربي تشكل 500 ألف كيلو متر مربع والتي تكاد تصل إلى ثلث مساحة البلاد بينما يسكن في هذه المنطقة أكثر من 14 مليون مواطن، وهم يشكلون أيضا أكثر من ثلث السكان، وقد أطلق عليها حزام الصمغ العربي والتي تمثل القاعدة المناخية الأساسية لنزول الأمطار حيث إن الأمطار التي تنزل في حزام الصمغ العربي وتقوم بتغذية نهري النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل الرئيسي والفروع بينما توفر كل الزراعة المطرية الموجودة في السودان، مبيناً أن تربية أكثر 130 مليون رأس من الحيوانات في حزام الصمغ العربي والتي تمد البلاد بحاجتها من اللحوم بجانب تغطية حاجة الصادر من اللحوم الحية والمذبوحة.
ويضيف عبد الماجد أن حزام الصمغ العربي يضم أكثر من 30 نوعاً من الأشجار الشوكية المنتجة للأصماغ أشهرها شجرتا الهشاب والطلح والتي يطلق عليها بالصمغ العربي على حسب تفسير دستور الغذاء العالمي، ونوه إلى أن الصمغ العربي عرف منذ آلاف السنين كمادة غذائية ودوائية إلا أنه اشتهر مع ثورة صناعة الأغذية والمشروبات في القرن التاسع عشر ودخل في صناعة جميع أنواع المشروبات وحفظ المواد الغذائية وتجانس الأغذية وصناعة الدواء الأمر الذي جعل الصمع العربي يحتل الصدارة في هذه الصناعات، جازمًا بأن السودان بمساحته المذكورة وجودة نوعية أصماغه وبمعرفة المنتجين بطقوس الإنتاج بات الرائد في مجال الإنتاج والتصدير، وحتى ما تقوم بتصديره كثير من دول الجوار ما هو تسريب أو تهريب من داخل السودان يجد طريقه إما بسبب ضعف السياسات أو ضعف التمويل أو أسباب متعلقة بفجوة الأسعار بين دول الجوار والسودان.
ويؤكد عبد الماجد أن السودان بموارده الحالية قادر على إنتاج أكثر من 500 ألف في العام لكنه ظل وسيظل لفترة قليلة قادمة محاصراً في إنتاجية لا تتعدى 100 ألف طن، وعزا ذلك لصغر موسم الحصاد الذي لا يتجاوز شهرين وشح العمالة إضافة الى أن معظم المنتجين من كبار السن فضلاً عن وجود أنشطة منافسة مثل تعدين الذهب وحصاد المحاصيل الأخرى التي تتزامن مع إنتاج الصمغ العربي، وكشف عن إنتاج البلاد حاليًا يأتي فقط من حوالي 20% من المساحة الشجرية التي تملكها البلاد وتظل 80% عاطلة عن الإنتاج، داعياً الدولة الى النظر بجدية في تحريك هذا المورد.
ولفت عبد الماجد إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا الغربية ظلت هي السوق التقليدي للصمغ العربي حيث يقوم السودان بتصدير أكثر من 80% من إنتاجه إلى أوروبا وأمريكا، وهذا امتد منذ القرن الماضي واستمر حتى الآن وأضاف: على الرغم من تعرض السودان للحظر التجاري المفروض من الولايات المتحدة إلا أن الصمغ العربي ظل السودان يرفد الولايات المتحدة إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر السوق الأوربي باحتياجاته من الصمغ العربي، وأعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد ما لا يقل عن 40 ألف طن سنوياً تتراوح قيمتها ما بين 120 إلى 200 مليون دولار حسب الموسم ودرجة التصنيع والنقاوة.
سوق عربي رائد
وفيما يتعلق بأهمية الصمغ العربي للعالم العربي أكد عبد الماجد أن الوطن العربي لم يكن يعرف الصمغ العربي على الرغم من وجود كلمة العربي في المنتج حيث ظلت الشركات العربية تعيد استيراد الصمغ من أوروبا وأمريكا والذي تصدره البلدان الأوربية تحت اسم آخر أقرب إلى المادة الكيميائية ويعرف بالاسم (E414) ويستعمل في الأغدذية والأدوية، وبالتالي لا تدرك الشركات أن هذا هو الصمغ العربي الذي يوجد على مرمى حجر منها وبأسعار أرخص كثيراً، وأضاف أنه مؤخرًا وتحت ظروف الحصار الاقتصادي نشأت أسواق عربية، ومن خلال المعارض العربية بدأ الصمغ العربي يعرف في هذه الأوساط حيث برزت إمارة دبي كأحد مراكز الترانسيت لتجارة الصمغ العربي في العالم، وذكر أنه حالياً توجد سوق رائدة ومجموعة من المؤسسات التي تتعامل في الصمغ العربي في المنطقة الحرة في دبي، وتابع أن هذا التحول لم يمنع السودان من طرق نوافذ دول شرق آسيا لتسويق الصمغ العربي حيث تم فتح مجالات للتعاون مع اليابان وكوريا والصين والهند.
تحديات تواجه القطاع
أقر عبد الماجد بوجود بعض المشكلات في القطاع وصفها بالكبيرة بحجم كبر الحزام الذي قال إنه ضخم ويشكل اقتصاديات دولة أجملها في قصر موسم الحصاد التي لا تتعدى الثلاثة شهور، وفيها يكون مطلوباً تحريك العمالة وتوفير التمويل إضافة إلى صعوبة العمل في القطاع نفسه وعدم توفر التمويل الكافي لقطاع ضخم واستحالة توفير التمويل لجميع المنتجين الذين يصل عددهم إلى 5 ملايين منتج بجانب أن اعتماد البلاد على السوق الأوربي والأمريكي كمنفذ للشراء يجعله رهيناً للأسعار التي تقدمها هذه الإسواق، إضافة إلى إحجام معظم البنوك عن تمويل قطاع المنتجين لفقدانهم ضمانات المقابلة للقروض، وقال إن الصمغ العربي منتج طبيعي وبيئي يحتاج حصاده إلى آلات لم يتم تطويرها حتى الآن وظل الاعتماد على الآلات القديمة ضعيفة الإنتاجية التي استعملت منذ آلاف السنين(الفارة-الطورية –الفرار- الفأس)، ونادى بهمية تحديثها لتغطية مساحات أكبر في أقل زمن ممكن، لافتاً إلى إحجام القطاع الخاص وشركات الاستثمار عن الاستثمار في مجال استزراع الغابات.
وكشف عن توفير تمويل من منظمة الأمم المتحدة لإنشاء مركز دولي للصمغ العربي ليخدم جميع الأقطار العربية وموقعه في السودان إضافة إلى تكوين المجلس ثلاث محافظ لتمويل المصدرين بمحفظة مقدارها 300 مليار جنيه برعاية مصرف المزارع وأخرى برأس مال 40 مليار جنيه برعاية مصرف الادخار لتمويل المنتجين وأخرى بـ 30 مليون دولار لتطوير الصناعات برعاية بنك التنمية الصناعية، مشيراً إلى بذل المجلس مجهودا لتطوير الأسواق الداخلية وربطها بشبكة إلكترونية بالتعاون مع سوق الخرطوم للأوراق المالية، بجانب إعداد مشروع لإسكان المنتجين في قطاع الصمغ العربي في مساكن لا تعتمد على الخشب لمكافحة القطع الجائر بالتعاون مع الصندوق القومي للإسكان والتعمير لإنشاء 30 ألف وحدة سكنية في 10 ولايات منتجة للصمغ العربي.
معاناة منتجين
ويشير نائب رئيس اتحاد منتجي الصمغ العربي الحاج بشير محمد أن حزام الصمغ العربي يقع في المناطق الجافة، مبيناً أن المنتجين يعانون معاناة كبيرة لعدم وجود عائد مجزٍ، لافتاً لدى حديثه لأ(الصيحة) الى تهريب الصمغ لدول الجوار إضافة إلي الاحتكار مما أثر علي الضخ الشرائي للمنتجينن، وتوقع أن يقلل قرار رفع العقوبات الأمريكية على السودان بتقليل هذه الظواهر، لافتاً الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسورد حوالي7 آلاف طن سنوياً، جازماً بأن السودان ينتج حوالي 80% من إنتاج الصمغ العربي في العالم بالرغم من وجود جهات تيبع الصمغ العربي السوداني بأسماء دول أخرى للتقليل من إنتاجية السودان، لافتاً إلى أن الجسم الذي أنشأته الدولة للصمغ العربي باسم المجلس ليست له صلة بالحزام، وأضاف: يجب أن يكون المجلس من منتجي الصمغ العربي.
الخرطوم: مروة كمال- الصيحة