أبرزهم العتباني ومبارك الفاضل والشفيع خضر وإشراقة الإصلاحيون.. باحثون عن الديمقراطية أم ضائقون برأي الأغلبية؟
القاعدة الثابتة في السياسية الحزبية أن أيّ عمل حزبي يحتاج لإصلاح كل فترة أخرى لمواكبة روح ومتطلبات المرحلة. لذلك تجد أن الإصلاحيين دوماً ما يصوبون نيرانهم الصديقة على أداء الحزب وينتقدون برامجه وبنيته الهيكلية، بل وقادته في المناصب العليا على أمل التغيير.
وكثيراً ما تجابه دعوات الإصلاح السياسي بمقاومة وممانعة وينتهي الحال بأصحابها عادة بالإطاحة بهم خارج أسوار الكيان السياسي، ويكون لا مناص لهم من الاتجاه لإنشاء أحزاب جديدة .
وبإسقاط هذه الظاهرة على الساحة الحزبية السودانية نجد هناك كثير من الشواهد برزت في الآونة الأخيرة وتتدلل على حالة التبرم بالإصلاحيين، على نحو ما جرى لمجموعة الإصلاح الآن بقيادة د. غازي صلاح الدين تجاه دعاويهم لأهل المؤتمر الوطني، وهنالك مجموعة الشفيع خضر وما تم لهم من قبل الحزب الشيوعي، ومن ثمّ ما حصل للتيار الإصلاحي الذي تقوده إشراقة سيد محمود في الحزب الاتحادي الديمقراطي.
وقد دخلت هذه المجموعات جميعها في صراعات مع قادة سيطروا لفترات طويلة، وانتقدوا ما يرونه نهج المركزية القابضة فعلاً وعملاً، مع اهتمام متعاظم بطرق كسب الانتخابات والوصول إلى السلطة في مقابل إغفالها احتياجات الإنسان العادي في التعليم والصحة والغذاء.
وفي المعتاد يجتمع حول أولئكم الإصلاحيين عدد من المستفيدين الساعين لتحصيل مكاسب خاصة، وتعلوا أصواتهم بقوة حين المناداة بالحرية والانفتاح والإصلاح في الدولة فيما، يفتقدون بشدة لهذه القيم في داخلهم وداخل كياناتهم.
تساؤلات
حال الإصلاحيين يولد كثير من التساؤلات من شاكلة سر معاناة الأحزاب السودانية الشديدة عندما يتعلّق الأمر بالممارسة الديمقراطية الداخلية، باعتبارها الشرط الابتدائي للقبول بالاختلاف، علاوة على سر الميل لاستئصال الإصلاحي المختلف، فيما السؤال المهم متصل بالدعوة التي يتبناها الإصلاحيون أنفسهم، وما إذا كانت دعواهم حقيقية أم محض غبن شخصي بعد أن طال عليهم الأمد وهم خارج دائرة الفعل داخل أحزابهم.
طرحنا هذه التساؤلات على أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور حسن الساعوري فقال لـ (الصيحة): إن العلة تمكن في الممارسة السياسية الحزبية التي هي في الأساس تقوم على قاعدة صناعة القرار بالأغلبية، فيما على الأقلية أن تقبل بقرار الأغلبية وتتبناه باعتباره رأي الحزب وخطه رغم معارضتها إياه ، مضيفاً: هذه هي الممارسة في أي نظام ديمقراطي، ومهم أن يكون تدوال المناصب الحزبية مفتوح لكل الأعضاء .
ويرى الساعوري أن هذه الممارسة الديمقراطية الحزبية مفقودة تماماً، رغم أن التداول داخل الأحزاب السودانية حر، واتخاذ القرار يتم على قاعدة الأغلبية، بيد أن المعضلة في تمسك الأقلية برأيها بدلاً من أن تتبنى رأي الحزب، وبالتالي تصبح شاذة داخل الحزب.
لعب غير ديمقراطي
عند هذه النقطة نبّه الساعوري إلى خطأ الأقلية في عدم تبنيها لخط الحزب، وهي في هذه الحالة تصبح غير ديمقراطية، لا سيما وأن التدوال حر، وبعد التصويت يصبح رأي الأغلبية ملزم مشيراً إلى أن هذه المزية مفقودة لدى الأحزاب السياسية السودانية التقليدية والعقائدية وحتى الحديث منها.
وحمل على القوى السياسية وقال إنها لا تعرف الممارسة الحزبية الديمقراطية السليمة، وعن رؤيته لتعريف هذه المجموعات التي وصفها بالأقلية داخل الأحزاب قال: رغم أنها تُسمَّى بالمنشقّة من قبل الأغلبية، لكنها تزين نفسها بلقب الإصلاح، فيما يراها الساعوري بأنها مجموعة لم تصبر على الاختلاف الديمقراطي داخل الحزب بما يمكنها مستقبلاً أن تتحول لأغلبية من خلال إقناع الآخرين بمواقفها بما يخدم وجود تداول للنفوذ داخل الحزب.
ويذهب الساعوري إلى أن الأقلية لا تصبر عادة، وتخرج لتؤسس حزباً جديداً عادة ما يلازمه الفشل قائلاً: إن هذا سبب مباشر لضعف الممارسة الديمقراطية الحزبية في السودان، مختتماً حديثه بالتأكيد على أن الممارسة الديمقراطية غائبة تماماً في العملية السياسية، لجهة عدم الالتزام بقاعدة الأكثرية والأقلية في الممارسة الديمقراطية، التي شدّد على ضرورة أن تكون متماسكة، وأضاف أنه بمنأى عن ذلك يستتبع أي قرار انشقاق لنفاد صبر الأقلية في مبدأ إقرار الخط السياسي، وتداول القيادة داخل الكيان، وجرى تقريره بواسطة الأغلبية، لا سيّما وأنه من المستحيل تماماً أن يكون الرأي موحداً في كل قضية.
من جانبه يقول المحلل السياسي، والمفكر د. عبدالله علي إبراهيم بوجود إسراف في الحديث عن وجود إصلاحيين مجتمعين داخل الأحزاب، وذلك بوقتٍ يكون الصراع في حقيقته على مناصب وهبات يمنحها المؤتمر الوطني لهذه الأحزاب، كما بدا في حالة حزب الأمة الإصلاح والتجديد الذي انشق به مبارك الفاضل من حزب الأمة، ولذا في اللحظة التي قرر فيها مبارك مبارحة السلطة رفض كثيرين خلع حرير السلطة ودفع ثمن فاتورة معارضتها. ويعترض د. عبد الله على تحول الصراعات حول المنح التي يقدمها النظام، إلى دعاوي إصلاح.
دعا د. عبد الله إلى عدم تسمية كل متململ سياسي ومفصول بأنه إصلاحي، وقال يمكن أن يكون ضحية صراع وزحام على المواقع، وفي السياق تعرض لحالة إشراقة سيّد محمود.
أما في حالة د.الشفيع خضر في الحزب الشيوعي فقال إنها لا تخلو من وجود زحام على المواقع، رغم أن الشيوعيين لديهم مقدرة على تلوين القضية في كونه تخلى عن الماركسية.
مقاربة
أبان د. عبد الله علي إبراهيم، أن كل ما سيق من شواهد حتى لا تسقط وصفة الإصلاح التي هي مفردة مهمة ومطلوبة، ولا يمكن إسقاطها (حد تعبيره) ثم قال مقارناً بين زمنين، لا يوجد إصلاح بمعنى تجييش لفكرة، كما حدث بين عوض عبدالرازق وعبدالخالق محجوب، حيث كان صراع حول منهج جديد وخطة جديدة، وكذلك ما حدث بين الترابي ومجموعة التربويين مثل جعفر شيخ إدريس فهذا صراع حول أن تكون الحركة مدرسة للتربية ثم تأتي السياسة، أو أن تكون سياسية من البداية. وأضاف: أما غازي فحاول الإصلاح قبل خروجه من الحزب بتأسيسه لمركز دراسات المستقبل الذي أرى أنه كان نواة للإصلاح، لأنها نابعة من منبر ثقافي يشيع أفكاراً جديدة على بينة من الفكر، لكنه لم يستمر، ورجع للدولة ثم خرج منها، ومنذ أن خرج ظل يدعو الدعوات السياسية العامة، وليست هناك أيّة فكرة للإصلاح، ولا أعطيه صفة الإصلاحي، وإنما هو شخص استنفد صبره بعد عدد من المحاولات، وزاد: الإصلاح ليس أن تضيق ذرعاً، وإنما الإصلاح أن تكون ساهراً على برامج فكرية ومفاهمية تؤثر بها في الطليعة التي حولك، وتتحول للجمهرة، وبعدها تصبح أجندة سياسية، وهذه لا تنطبق على كل الحالات التي ذكرتها، ثم أن د. غازي عندما خرج ظل يتحرك في الإطار القديم.
وخلص د. عبدالله إلى أن ما يحدث في الوقت الراهن لا يعد إصلاحاً، بل زحاماً على مصالح ومناصب، بيد أنه عاد وقال: بوجود زحام صحي في الأحزاب غير المتصلة بالمؤتمر الوطني، لكونه لا يرتبط بالمناصب والهبات.
الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة