التعديلات الدستورية .. طواحين الهواء !
ملاحظتان مهمتان لابد من الوقوف عليهما في معركة التعديلات الدستورية، أولهما اقتصار المعركة على ما هو غير جوهري لإطلاق دخان كثيف لحجب ماهو جوهري، والثاني وقوف حزب المؤتمر الشعبي وحيداً في المعركة رغم أن مخرجات الحوار شاركت ووقعت عليها أكثر من (80) حزباً وحوالي (36) حركة مسلحة، هذه التعديلات تم التوافق عليها وتوقيعها من جميع المشاركين في أعلى مستويات التمثيل الحزبي، وتم تسليمها في احتفال حضره ممثلين للدول الاجنبية وسفاراتها مع تعهد واضح من السيد رئيس الجمهورية بتنفيذ هذه المخرجات، الرئيس وصف مخرجات الحوار بأنها أعظم إنجاز للشعب السوداني منذ فجر الاستقلال، وقال البشير في خطابه يوم استلام المخرجات (نعلن أمامكم من هذا المنبر المشهود باننا سوف نتخذ كل الإجراءات المطلوبة وإجراء التشاور اللازم مع القوى السياسية والمجتمعية لتكوين آلية لمتابعة وتأكيد تنفيذ توصيات الحوار الوطني العام بشقية السياسي والمجتمعي).
مجمع الفقة وهيئة علماء السودان ومجموعات أخرى تلقت دعوة من بدرية سليمان رئيسة اللجنة القانونية لإبداء رأيهم في التعديلات، وكان هذا ضؤ أخضر لهذه المجموعات لإبداء التشدد والمزايدة عليه، ووصف التعديلات بأنها مخالفة للشريعة الإسلامية، لقطع الطريق أمام المصادقة عليها من البرلمان، باشهار فيتو مخالفتها للشريعة الإسلامية،
دون الخوض في تفاصيل فإننا نسأل هؤلاء المعارضين للتعديلات الدستورية التي وردت تحت عناوين حقوق التزاوج والمساواة، هل هناك اجماع فيما ذهبوا اليه؟ هل يعتبرون تفشى الفقر والفساد من مخالفات الشرع؟ ولماذا يسكتون عن مفاسد نهي الشرع عنها ؟ ولم يفتح الله عليهم الا في أمور الأحوال الشخصية ؟ وهل تزويج المرأة لنفسها يمثل خطراً على المجتمع أم طلاقها بعد هروب زوج معسر؟ وما قولهم في زواج المسيار والزواج العرفي وزواج الأثرياء وهي تتم سراً ولا شهود عليها ؟
الحقيقة أن إثارة هذا الخلاف بهذا الشكل بعد موافقة حزب المؤتمر الوطني على التعديلات لا معنى له، وهذا الحزب شعاره (هي لله)، وفيه العشرات ممن أفتوا وحللوا وحرموا ؟ أفتعال الموقف واضح انه تم بإيعاز من المؤتمر الوطني، وبهذا فالحزب الحاكم يظهر استخفافاً واضحاً بالرأي الآخر وبشركائه في الحوار، بالرغم من رأينا في الحوار ومخرجاته الا اننا نتضامن مع المؤتمر الشعبي في وقفته واصراره على إنفاذ ما تم الاتفاق عليه، وخاصة فيما يتعلق بصلاحيات جهاز الأمن، وبدا غريباً غياب واختفاء (85) حزب و(36) حركة مسلحة شاركت في الحوار، فلم يسمع لها صوت، وهذا ما يؤكد ان الحزب الحاكم حاور حلفاءه، الواضح ان الحزب الحاكم تنصل من موافقته على المخرجات، وخطط الى استحثاث معارضة أعلنت مواقفها في كل أجهزة الإعلام المتاحة، بينما اعترض أعضاء الحزب على وجود أعضاء في البرلمان أثناء المداولات في اللجنة، بحجة سرية الجلسة،
كنت لأتمنى لو ساندت كل القوى التي نادت بالحريات موقف المؤتمر الشعبى، لا سيما أحزاب المعارضة في تحالف الإجماع الوطني وأحزاب نداء السودان، ربما كان الأفضل لو انخرطت كل المعارضات في أمر الحريات وتلقيص صلاحيات جهاز الأمن، المؤتمر الشعبي ربما يزهد في الأمر وسط لا مبالاة الآخرين،
ماوراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة