التداوي بـ”الأحباب”
* أوجاعي تتجدد.. تتمدد.. وصدى الحزن في قلبي يتردد.. ما لهذا الشجن لا يبارحني؟ لا يملني؟ لا يبحث عن سبيل آخر غير دربي؟ هل ولدت من رحم التباريح والخذلان؟ أم أن رهافة الكاتب الموبوء بالرغبة في الكتابة تستدعي الدوران المهلك في فلك آلامه الداخلية بأبعادها الخارجية وأثرها الواضح على كلماته وحياته؟!!
* ثمة أوجاع لا تكتب.. ولا تقال.. نستلذ باجترارها وجدانياً، وكأننا نمارس سادية بغيضة على أروحانا! فبعض الحزن – والحق يقال – ممتع ونبيل، يمنحك ما يلزم لتكتمل إنسانيتك في زمن عز فيه تصالح الفرد منا مع إنسانيته على ملء من الضنك.
فالحياة الضرورة تتعمد أن تبقينا عبيداً رازحين تحت وطأة الغفلة! نركض وراءها لاهثين، وتتوقف حيناً عن كثب، حتى إذا ما ظننا أننا قد بلغنا غاياتها ونلناها، مدت لسانها ساخرة وعاودت الركض من جديد بعيداً عن تطلعاتنا وأحلامنا وسعادتنا الوهمية.
والمدهش في الأمر أننا لا نتعظ! ولا نعي الدرس، ولا نحتاط! فتجدنا نعود للركض وراءها دائماً، دون أن نستوعب أبداً درسها الواضح في كونها ستظل أبداً تلهو بنا وتسخر من سذاجتنا كلما اعتقدنا أن بإمكاننا يوماً أن ننالها.. أن نحوز رضاها، أن نستمتع بوجهها الضاحك أبداً، أن نبلغ ذروة عطائها وكرمها!!
* هي الحياة، منذ كانت الدنيا، مقهى كبير يعج بالحضور، رائحة (البن) تحرضك على اعتدال مزاجك، ولكن الضجيج الصاخب يدفعك لتبارح مقعدك تاركاً فنجانك الأول على طاولة الأسى يرمقك في صمت. ومرارة القهوة بداخله تسلم نشوتك الكبرى لبرودة المكان وتبلد الحاضرين!!
* كنت كلما داهمني وجعي، تشبثت بأمل التغيير، ودعوت الله جهراً أن يداوي جراحي بالحب!! يسكنني – فطرياً – اعتقاد جازم بأن الحب هو طبيب القلوب المكلومة والأحلام المكسورة والصدق الجريح!! وأن لا عزاء للإنسان إلا الإنسان، على أن يكون قادراً على التجرد، والصبر، وتقوى الله!! كل شيء يكتمل بالتقوى، فمن لا يخشى الله لا يخشى الناس، ولا يخشى اتباعه لشيطان نفسه الأمارة بالسوء.
* بيد أنه ليس ثمة آخر قادر على العطاء وفق معطيات الروايات العربية وأشعار (نزار قباني) الوردية! ولكن! من يقنعني بذلك؟ كيف أخضع نفسي لمنطق الحياة؟ كيف أستسلم للحقائق الواضحة كون الإنسان لا يملك الإيمان الكافي ليؤثر آخر على نفسه؟!! لم نعد في زمن الصحابة، ولا يترفق أحبابنا أبداً بقوارير مشاعرنا البراقة ولا يملكون القدرة الكافية على مداواة جراحنا، كيف لا وهم كانوا دائماً ذلك النصل الحاد الذي أدمى قلوبنا؟!!
* إن القاتل الذي لا يندم يكرر فعلته، والقتيل الذي لا يموت يدمن دور الضحية، وبينهما تكتمل الفصول المأساوية لجريمة قتل ظن فيها القاتل انه بريء ويظن فيها القتيل أنه ميت!! ويا لعجب الموت حين يموت الشعور، فلا الندم يوقظ الأول، ولا يعي الأخير الدرس!!
* أوجاعي اليوم مبهمة!.. ولغتي تمعن في الغموض، كل هذا لأن أوضاعي الراهنة يلفها الضباب، لا أفهم ما يدور حولي.. ما يجول بذهنك، ما يحدث على الضفة الأخرى من نهر وعد لم يكتمل، كتبته لي يوماً على ورق الأمل، ومهرته بتوقيع العهد أمام الله، ثم نكصت بغتة عن وعد التداوي، وتركتني لجراحك! إنها لا تشبه كل جراح الماضي، ولا تنزف دماً، ولكنها تنزف حيرة وخذلاناً وهواناً.
* جرح الكرامة غائر.. ومؤلم.. ودائم!! جرح القلب لا يشفى، ولكن القلب قد ينسى، بيد أن العقل لا ينسى، تلاحقة الذكريات بالقلق والندم والشوق والتوق، وفي خضم ذلك نظل على صراعنا الأزلي بين قيمتي التسامح والثأر، الأولى تمنحك شعوراً نبيلاً بالرضا والقرب من الله وقد تعيد للآخر بعض نبض ضميره، ولكنها تبقيك على حنقك الذي يقتات من أعماقك وينكسر بداخلك شيء لا يمكن إصلاحه.. والثانية تريح نفسك من عبق الحنق، ولكنها تسلك كلياً لتمام اليأس من أي أمل: في الشفاء!!
* أنا اليوم مريضة، حار الأطباء في تشخيص أوجاعي وعلاجها، همس أحدهم في اذني: (لا دواء لك لدينا، لا عقاقير طبية تصلح شأن روحك الواهنة، أنصحك بالتداوي بالأعشاب!) هكذا يرى الحكماء، أما المقربون فيظنون أن في الصبر والسلوى شفاء، وحدي التي أدرك أن شفائي بيديك وأن جراحي وأحزاني وأوجاعي لا تتداوى بالعقاقير ولا الأعشاب… ولا يداويها إلا (الأحباب)!
* تلويح:
أعيش في ظلمة.. وانت صباحي
إنت طبيبي.. أموت بجراحي!!
داليا الياس – اندياح
صحيفة اليوم التالي
انت الطبيب المداويا
تمدد وانكماش ذهابكم دوما إلى الاحراش نقوش على جدار الصمت كلام سلام نمل الكلام نرخى رحى الاستسلام طوعا كرها حبا مقتا يرنو صغيرى يهفو القلب شوقا بلا احتراق بل احتراب نداوى بلسما يشفينا شهدا يغنينا طربا تتمايل الانسام تحكى رؤي تبكى سما بلا ادمع بلا قلب بلا روح تهفو تنام السهاد بلا استعباد بل استبعاد كل شئ كان بلا امكان تعثرت الدروب تداخلت القلوب فى مناح شتى بلا اهداب ترفرف فرحا تجادل مرحا حزنا دفينا بلا ابهام استفهام خلاصة القول قل القول تاه الكلام خرس اللسان غاب العقل نام القلب تبلد الحي تجمد الدمع الدم انهار انهار بحار بلا ربان بلا مرسي منار ومنار ضاع الحق تاه العقل بلا حزن بلا احسان
]دائماً منداحه يا داليا
النضاره الفي شبابك والطفولة الفي عينيك *القلوب الحايمه حولك ياحلو بتتمنى ليك