تحقيقات وتقارير

البيروني وإخوانه.. قصة الشهداء الأحياء

“أُحْكِمَ الكمينُ على مُقاتلي القوات الخاصة بالدفاع الشعبي، ولم يكن هناك خيار سوى الانسحاب، ولكن عربة كاتيوشا كانت بالمرصاد للمنسحبين لتقتحم الصندوق، وهو ما يعني أن المنسحبين سيكونون تحت رحمتها، فلجأ قائد إحدى التاتشرات للاصطدام بها، فبعد أن فرغت ذخيرة الدوشكا التي كانت معلقة عليها، تسبب الاصطدام في انغراز العمود المعدني الذي يستند عليه الدوشكا في صدره”.. النص السابق أتى في سياق رثاء للبيروني بابكر كتبه محمد ميرغني بتاريخ الثاني عشر من مايو 2013 على مجموعة (السائحون) بالفيسبوك، قبل أن يطلق اسم البيروني على مولوده الجديد.

كان ذلك بعد أسبوع من إعلان نبأ استشهاد البيروني بابكر أحد شباب الإسلاميين بعد أن قطع دراسته في جامعة بحري ويمم وجهه صوب منطقة أبوكرشولا في السادس من مايو 2013م، لصد الجيش الشعبي الذي استولى على المنطقة في ذلك الوقت، لينظم له إخوته بمنزله بالخرطوم (عرس شهيد)، بل وتخليدا لذكراه تم تسمية دورة اتحاد طلاب جامعة القضارف للعام 2014 -2015 باسمه، قبل أن يظهر البيروني لاحقا في صور نشرتها الحركة الشعبية له ولآخرين في الأَسْر.
نبأ الاستشهاد
فيما يلفت الصحفي بشير أربجي إلى أن أسرة البيروني استقبلت نبأ استشهاده، إلا أن والدته ساورتها شكوك في أنه ما يزال حيا، ليتعاظم الإحساس في داخلها وتبدأ في مصارحة ممن حولها، ليتأكد إحساسها بعد تلقيها معلومات من (السائحون) قبل أن يتأكد ذلك بعد التواصل عبر الصليب الأحمر.
وليس بعيدا عما سبق تمضي والدة الأسير عاتكة القاضي، وتروي تلك اللحظات بينما هي تهم بالذهاب لمطار الخرطوم لاستقبال فلذة كبدها، لتقول: “كنت مصدومة في ذلك الوقت ولا أذكر جيدا من تحديدا أبلغنا بنبأ استشهاده، ولكن تم ذلك عبر الدفاع الشعبي”. وتضيف عاتكة أن قلبها كان يحدثها بأن ابنها ما يزال حيا، وأن ثمة خطأ ما، ولكن جموع المعزين كانت تلجم لسانها، إلا أن تضارب الروايات حول استشهاده وعدم جزم شخص برؤية جثمان ابنها أو دفنه جعل الشك يتمدد في دواخلها، فسألت في منطقة جبل الداير التي قيل لها إنه قُبِرَ فيها، فلم تجد له أثراً، وتضيف: “بعد شهرين تلقيت اتصالا من شخص أخبرني بأن ابني لم يستشهد، وطلب مني سرعة التواصل معه عبر الصليب الأحمر”.
مفاجأة للجميع
شهد منتصف العام الماضي مفاجأة لجميع معارف البيروني حينما قالت الحركة الشعبية إن البيروني وآخرين ممن قيل إنهم استشهدوا أحياء في الأسر.
الارتباك كان سيد مشاعر عاتكة بعد رؤيتها صور لابنها الأسير نشرتها الشعبية على موقع الفيسبوك، قبل أن يغالبها الارتياح بعد أن تأكدت أن من بكته بدمع ثخين حي يرزق، قبل أن يزول ذلك الإحساس سريعا ويحل محله قلق الأم حول المصير المجهول لـ(كبير أولادها) لا سيما بعد أن تغيرت ملامحه وبدا عليه الهزال، فكتبت له رسالة تحثه فيها على الصمود والثبات أرسلتها له عبر الصليب الأحمر، ولكنها لم تتلقَّ ردا عليها حتى الآن، غير أن التطمينات من جانب الشعبية كانت حاضرة بالنسبة لها على وضع ابنها.
الأمين العام لمبادرة (السائحون) فتح العليم عبد الحي، يقول إن الشعبية أبلغتهم في أول لقاء مع مبادرة (السائحون) العام 2014 بأن من بين الأسرى لديها البيروني وشهاب برج اللذين تم إعلان استشهادهما في وقتٍ ماضٍ. ويضيف عبد الحي أنه تم تأكيد الأمر عبر تواصل لاحق بين أسرته والبيروني عبر الصليب الأحمر.
ويلفت عبد الحي إلى أن الدفاع الشعبي يعمل بذات النظم في القوات المسلحة، فيما يتعلق باحتساب الشهداء إجرائيا بعد اختفاء المفقودين وانقطاع أخبارهم لمدة زمنية محددة استنادا على الفقه الإسلامي، إضافة لتوفير دعم مالي لأسَرِ الشهداء.
أُسْرَة البيروني – وفقا لمصادر صحفية – تلقت دعماً مالياً من الدفاع الشعبي، يقدر بنحو 40 ألف جنيه لوالده وأمه بمعدل 20 لكل منهما، كما تم تخصيص راتب شهري للأُسرة يقدر بـ1200 جنيه.
ويعود فتح العليم عبد الحي ويلفت إلى أنه من الوارد أن يحدث خطأ في ظروف المعارك، ويزيد: “تؤثر ظروف المعارك في رواية شهود الأعيان، مما يسهل أن يخلط بين الأشخاص والأحداث، لذلك فإنهم يحصلون في الغالب على عمليات تأهيل بعد المعارك”.
فيما يقول الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة إن معظم الأحاديث المرْوية عن المعارك وشهدائها لا تخلو من الإفادات الموضوعة التي تفتقد للنقل الدقيق لا سيما في ظل صراعات الإسلاميين من جهة، ومن جهة أخرى صراع الحكومة والمعارضة.
ويمضي جمعة في رؤيته ويقول في الأجواء المرتبطة بالحرب ونتائجها سواء الهزائم والانتصارات يندفع البعض في محاولات رسم صور زاهية لصور الشهداء وفي ظل الحماس والتعاطف يغيب التدقيق في الروايات. ويضيف جمعة أن معظم الأحاديث والمرْويات أتت ممن لم يحضروا المعارك، في وقت يلوذ معظم شهود الأحداث وصناعها بالصمت.
تعود للحديث عاتكة والدة الأسير وهي تهم بالتوجه برفقة أسرتها ومعارفها نحو مطار الخرطوم تطفر السعادة من كلماتها، تشكر الشعبية على التزامها بوعدها حتى إكمال إطلاق سراح الأسرى، ويمتد شكرها للحكومة اليوغندية ورئيسها يوري موسفيني، وتضيف: “يجب ألا ننسى إخوته المجاهدين الذين عملوا مع الجهات الرسمية على إعادتهم، وكل من تعاطفوا مع قضية الأسْرى”، وتزيد أيضا: “ما حدث هو استجابة لدعوات البسطاء المتعاطفين معنا، كما أنه إشارة لقرب حلول السلام والأمن في السودان.. إن شاء الله يعم الاستقرار والرخاء السودان”.

تقرير: محمد عبد العزيز
السوداني

‫3 تعليقات

  1. الدخل صراعات الإسلاميين في الموضوع شنو هسة وكيف أثرت في الروايات والأحاديث يا محمد حامد جمعة؟ يعني تفتكر ناس المؤتمر الشعبي هم القالوا إنه البيروني وغيره قتلوا في المعركة؟ وللا أنصار السنة وللا منو؟ ما ياهم الناس الكانو معاهو الواحد بس عايز يشخبط الجرايد بي أي كلام عشان يقبض مرتبه كامل.

  2. ما ح يتزوجو بعد ما رجعو من الاستشهاد لأن النفس مقفولة بسبب الحور العين