تحقيقات وتقارير

الشيوعي و”إسقاط النظام”.. معركة ” الأدوات الصدئة”

حالة “بيات شتوي” أصابت أحزاب المعارضة التي رفضت المشاركة في الحوار السياسي، فالمناخ السياسي الذي أصبح متقلباً جعل الخيارات أمام هذه الأحزاب ضيقة، خاصة بعد أن بدأت خطوات تشكيل حكومة جديدة تلوح في الأفق بمشاركة أحزاب وحركات مسلحة كان في صف المعارضة إلى وقت قريب.

ولعل التطورات في المواقف الدولية التي بدأت تنحاز لضرورة تحقيق السلام في السودان، وكذلك اتجاه الولايات المتحدة لتطبيع علاقاتها مع السودان عقب قرار رفع الحظر الأمريكي، كلها عوامل قد زادت من عزلة المعارضة السودانية التي كانت تعول على الخارج لدعم مواقفها المناهضة للحكومة.

وينطبق ما ذكرناه على الحزب الشيوعي السوداني، الذي لم يفارق محطة الخلافات والإنشقاقات التي دبت في أوصاله عقب المؤتمر العام الذي عقد العام الماضي، حتى وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، بعد أن انصرف عنه الحلفاء وزادت الشقة مع المعارضة بالداخل.

ويحاول الحزب إدعاء التماسك وعدم التأثر برياح تغيرات المواقف الدولية والإقليمية التي انصبت في صالح الحكومة. مؤخراً أصدر الحزب بياناً كعادته في انتهاز المناسبات للقول “إني هنا”، متحدثاً عن ما أسماه “النشاط المحموم للمجتمع الدولي ومجلس الامن والضغوط علي قوي المعارضة المدنية والمسلحة مع التهديد والوعيد للقبول بالهبوط الناعم الذي يهدف الي توسيع قاعدة النظام وإحداث تغييرات شكلية وتعديلات دستورية تكرّس النظام، لخدمة مصالح الرأسمالية الإقليمية والعالمية الرامية لنهب اراضي السودان البكر وموارد البلاد، وتحويلها إلي اكبر مركز للاستخبارات الامريكية في المنطقة!.

خلال الفقرة السابقة لم يهاجم الشيوعي الحكومة وحدها كما اعتاد في بياناته السابقة، بل حاول أن يجرّم الجميع بما فيهم المجتمع الدولي وحتى مجلس الأمن، وهو ما يعد اعترافا منه بان الحكومة باتت تحظى بقبول دولي ومباركة لخطواتها الرامية لتحقيق السلام واحداث تغييرات تستوعب ما تطالب به القوى المعارضة.

ويبدو أن تكتيكات الشيوعيين الجديدة للتعامل مع الواقع، فرضت عليهم العودة لرفع الشعارات القديمة التي استخدموها إبان حكم الرئيس الراحل جعفر نميري، مثل إتهام الحكومة بخدمة مصالح الراسمالية وتحويل البلاد لمركز للمخابرات الأجنبية.

وبعيداً عن ذلك كله فإن الشيوعي لا يفضل في الوقت الحالي إدارة معاركه مع (الحلفاء- الفرقاء) في المعارضة، فعقب نشر تقارير صحفية تشير إلى إن بعض أحزاب تحالف الإجماع الوطني شرعت في الترتيب لإختيار رئيس جديد لها خلفاً لفاروق أبو عيسى المتواجد خارج البلاد لأسباب صحية، سارع محمد مختار الخطيب سكرتير الحزب ليؤكد بقاء أبوعيسى على رئاسة التحالف، مستبعداً اختيار بديل في الوقت القريب.

وربما أرادت الأحزاب المعارضة التي لديها تحفظات على رئاسة ابوعيسى لجهة انحيازه لمواقف الحزب الشيوعي، أن ترسل رسالة “جس نبض” لحزب الخطيب لاسفزازه للتعبير عن موقفه من مطالباتها بتنحي ابو عيسى.

وربما كانت حالة السكون في الداخل لا تنطبق على فرعية الشيوعي في بريطانيا وأيرلندا الشمالية فقد عقد عضو الهيئة المركزية على الكنين إجتماعاً مع حركات دارفور المتمردة بلندن. وناقش الإجتماع توحيد عمل المعارضة السودانية وكيفية التأثير على التعاطف الدولي مع الحكومة في الخرطوم.

وعبر الحزب صراحة عن انزعاجه من تعاطف البلدان الأوربية مع الحكومة السودانية من أجل تحقيق مصالحها، خاصة أن المجتمع الدولي عامة أصبح منحازا للحكومة لدورها في مكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب.

ومن المفارقات أن الإجتماع عقد بمنأي عن الحركة الشعبية قطاع الشمال –الحليف التقليدي للحزب الشيوعي- وهو ما يعطي إشارات ودلالات عميقة، خاصة أن الغزل بين الشيوعيين وحركات دارفور المتمردة يأتي في وقت يشهد خلافات عميقة في الرؤية بين هذه الحركات وقطاع الشمال. وربما كانت الرسالة معنونة لبريد القطاع الذي انصرف في الآونة الأخيرة عن حليفه بالداخل وقرب إليه ما تعرف بأحزاب نداء السودان بالداخل وعلى رأسها المؤتمر السوداني. ولعل اتجاه الشيوعي نحو غرماء قطاع الشمال قصد منه تنبيه القطاع إلى ضرورة إعادة النظر في مواقفه وتحالفاته، وأن الشيوعي لديه القدرة على التحالف مع الشق الىخر من المعارضة المسلحة.

رغم أن الشيوعي درج على تكرار الحديث عن استمرار المقاومة والانتفاضة الشعبية والاضراب والعصيان المدني في سبيل “إزالة النظام” على غرار ما حدث في أبريل 1985م، إلا أنه يدرك مثل غيره أن مثل هذه الأدوات “الصدئة ” لم تعد تصلح في العصر الحالي، خاصة أن الحكومة سبقت الجميع في تحقيق خطوات متقدمة نحو الإصلاح والحوار الذي ظل مفتوحاً أمام المعارضة إضافة إلى أن المجتمع الدولي والإقليمي بات يضغط ايجابا في سبيل وقف الحرب في السودان وتحقيق المصالحة الشاملة.

تقرير (smc)