تحقيقات وتقارير

ست الحبايب.. يحتفل العالم بعيد الأم تقديراً لأدوارها المؤثرة في التربية والتنشئة.. في الأثناء قاومت سلوى المرض وتحدت السرطان من أجل أطفالها

ذات صباح لاحظت تجاعيد جديدة تحت عينيها اللوزيتين، وأخرى جانب فمها من كثرة الابتسام، أشارت إلى أنها بلغت من الكبر مقداراً قليلاً، إلا أن روحها ربما تبدو أصغر مني عمراً ليست لأنها تتشبث بالحياة، بل لأنها علمتنا أن كل ما يتمناه المرء يدركه مهما صعب، هي معلمتي وزادي الدنيوي سلوى إبراهيم، حقا هي سلوى وضمة حنين في زمن أغبر.

أب وأم
حياتنا معها حافلة كاملة هادئة أو كما يتهيأ لنا بعد أن فاضت روح والدي فأصبحت هي الأم والأب معا مرآة تعكس وجهه الغائب الحاضر بين تفاصيل وجهها وتعاملها المعتدل، هي وإن صح أو لم يصح أنها ملأت الفراغ الذي تركه أبي، فكانت الأقرب بحبها ورعايتها، مضيت أيام عدة في جمع قاموس شخصي تعريفي عن حياة أمي ولسبب يجهله عقلي لم أجد كلمات قلة استنجد بها، وفي ذات الوقت اختزل فيها وصف حكيم يشفع لي أن أبارك لها عيدها الميمون.

بوصلة حياتنا
كيف لي ولو أتيت كل البلاغة، وأفنيت بحر النظم والنطق والشكر والثناء، لن أوفي ولن أعبر عن ما يدور في خلجاتي عن مدى سعادتي بأنها أمي المثالية دوما، هي بحر من الرحمة، شمس هدايتنا إلى الصراط المستقيم في زمن زاد فيه التعرج، إني أدعوها عرابتي، ملكة مملكة روحي، هي شجرة السرور الباسقة التي نحتمي بها من صيف الظروف نستظلها في مطر الأيام العابسة فهي دائما خضراء، هي رحلة من الإحساس الداخلي لا يمكن إدراكها في الخارج، لابد أنها مخلوقة خاصة امرأة تفوق أخواتها ورفيقاتها وجارتها صبرا وطيبة ربما يراها الآخرون عادية لها عيوب المرأة البسيطة.

في حضورها
ولا زلت طفلة أبحث عنها عندما آتي أتساءل أمي وين؟ وبذات النبرة أسأل ذاتي كيف لو كانت أمي غير تلك السلوى، هل سأستمتع بذات الحب وأنال صبحتها، وهل سأستلقي على ظهري وأتسلى بحكايتها مساء، حتى أنام مطمئنةً، لصحوا باكرا أستكمل ما تبقى في ونسة صباحية، الحادي والعشرين من مارس كل عام هو يوم خصص لعيدها نحتفل معها وبها، وللتصحيح كل أيامنا معها عيد، وكما كتبت ريم الرفاعي “سلوى بت إبراهيم تاج راسي أم الكل/ ست القدح والضل/ سوميت الأفراح/ في ضحكتها بنرتاح”.

أمي المثالية
كنا صغارا نلملم الجنيهات عندما يهل هلال مارس حتى نهايته حرصاً على أن نشتري لها ثوب أو قنينة عطر، أو أن تأتي ويديك بيضاء في وقت لا تملك فيه غير محبتك لها، حتماً تراها هي الأجمل، فتقطر دمعاتها وتحتضنك بحب ودفء يجعلك تبكي أيضاً، نبارك لها ولخالاتي وأمهاتي أيضا (درية، سناء، هندية) عيدهن، سائلين الله أن يحفظهن ويطيل في عمرهن.
خمسة عشر شهراً من المعاناة مع مرض السرطان الخبيث الذي كافحته بإرادة وجهد وعزيمة ذاتية، لم يكسر عزيمتها تساقط شعرها بعد خضوعها لجلسات العلاج الكيميائي، ولم تفقد رغبتها في الحياة تآكل خلايا جسدها، ظلت متمسكة بالعيش لآخر نبض فيها، وضعت أمامها أمومتها كهدف للحياة، أطفالها جزء لا يتجزء منها، لذا تحدت الموت والمرض وصعوبات الحياة من أجلهم.

تاريخية العيد
منذ العام 1908 الذي أقامت فيه فارجيس عيد لوالدتها في أمريكا توالت الاحتفالات عاماً تلو الآخر في معظم مدن العالم مع اختلاف التواريخ وطريقة الاحتفال، وحسب المعتقدات التي تطرأ على الدولة، كما أن لعيد الأم معاني كثيرة مرتبطة بأحداث كثيرة وتاريخية، كما أن في الكاثلوليكية تقام الصلاة على شرف السيدة مريم العذراء، كما أن الولايات المتحدة تحتفل في الثاني من مايو بعيد الأم من أجل نزع السلاح وبسط الأمن، أما عربياً، فقد قاد الفكرة الكاتب الصحفي المصري علي أمين الذي أنفق يوما من أيامه احتفالا بأمه وأمهات العرب، وسار على نهجه الكثيرون، فصادف ذلك الحادي والعشرين من مايو، وعلى الرغم من اختلاف الأديان، فكل محب يأتي بهدية لوالدته.

الخرطوم – درية بت سلوى
صحيفة اليوم التالي