الضفة الأخرى ..
واضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة منشغلة بهمومها الداخلية، ومنغمسة في مشكلاتها وتراشقات الداخل الأمريكي ، ومأخوذة من تلابيبها في الجدل حول مزاعم التدخلات الروسية في الانتخابات التي أتت بالسيد دونالد ترامب رئيساً ،
وشبح المائة يوم الأولى التي تلاحق ساكني البيت الأبيض الجدد وتقلق مضجع أي رئيس جديد . ففي هذه الأجواء لا تبدو الملفات المؤجلة متحركة بشكل جدي خاصة ملف السودان والرفع النهائي للعقوبات ، فلولا زيارة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيس المجلس الوطني قبل فترة قصيرة وزيارة الفريق أول مهندس محمد عطا المولى المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الى واشنطن الأسبوع الماضي ، ثم صدور بيان مؤسف عن الخارجية الأمريكية أول من أمس يحذر رعايا الولايات المتحدة من زيارة السودان وأخذ الحيطة والحذر لمن هم فيه من هؤلاء الرعايا ، ولولا الزيارتين والبيان التحذيري لما طرأ جديد في الأوساط الأمريكية حول الموقف الحقيقي للبيت الأبيض من قضايا تتعلق بالسودان
> لماذا هذا القول ، فحتى اللحظة يبدو الاضطراب واضحاً في التوجهات الخارجية للإدارة الجديدة وفي طريقة معالجتها لبعض القضايا الدولية ومنها المنطقة الإفريقية ومن بينها السودان ، فحتى اللحظة تبدو الخارجية الأمريكية برغم ثبات السياسات والتوجهات في مؤسسة صناعة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية تعاني من مشكلات داخلية كبيرة تؤثر في سرعة اتخاذ قرارات فورية بشأن السودان وغيره من بلدان العالم الفسيح سيما إفريقيا ، لوزارة الخارجية نتيجة لاستقالات عديدة لدبلوماسيين وسفراء تمت بعد تنصيب ترامب وصدور أوامره التنفيذية تعاني من فراغات في هياكلها و إداراتها التي تدير الملفات المهمة ، ويلحظ الجميع أن وظيفة رفيعة في الخارجية الأمريكية لا تزال شاغرة وهي من أهم الوظائف المرتبطة برسم السياسة واتخاذ القرارات المتعلقة بالسودان وإفريقيا وهي (مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية) ، فلم يتم تعيين أي مسؤول سياسي من طاقم الرئيس او غيره في هذه الوظيفة المهمة التي شغلتها من قبل جينداي فريزر ألد أعداء السودان في حقبة الرئيس جورج بوش الابن .
> يضاف إلى ذلك أن الخارجية الأمريكية لم تسمِ حتى اللحظة مسؤولاً عن ملف السودان بشكل واضح في هياكلها الداخلية برغم أن الإدارة المختصة بالمنطقة في الخارجية تعمل بشكل روتيني ، والأهم من ذلك أنه بعد انتهاء مهمة مبعوث السابق دونالد بوث لم يتطرق البيت الأبيض الى تعيين مبعوث جديد للسودان وجنوب السودان، كما جرت العادة في عهود الرؤساء السابقين وقد تكون المرحلة لاتزال مبكرة، لكن قطعاً ليس هناك ما يشير بشكل قاطع أن صناع السياسة الخارجية تجاه السودان من داخل البيت الأبيض أو الخارجية يشكلون غياباً وسيكون لهذا الغياب تأثيره في الالتزام حسب المتبع في النظام الأمريكي بموعد رفع العقوبات بعد مراجعة التزامات السودان خلال ستة أشهر.
> على كلٍ ومع كل هذه المخاوف ، يبدو أن الأمور تسير بوجه عام نحو الأفضل في التعاطي مع هذا الملف بين العاصمتين الخرطوم و واشنطن ، فليس هناك ما يمكن اعتباره عقبة ، فالعلاقات تسير بوتيرة متسارعة خاصة أن الرؤى السياسية لجدوى ونجاعة العقوبات كانت محكمة لدى الإدارة الأمريكية السابقة التي وجدت أن العقوبات تنتمي الى حقبة تجاوزها الزمن وأن السودان لم يعد هو ذلك البلد الذي يمكنه تهديد أمن الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن حلفاء واشنطن الأوروبيين وخاصة ألمانيا كانوا أكثر حرصاً على أن تطوي ملفات العقوبات والحصار مع دولة كالسودان تشير مدونة سلوكها العام أنها دولة مفيدة وفاعلة في محاربة الإرهاب والاتجار بالبشر ومحاصرة الجريمة العابرة للحدود ودورها في منظومة الأمن الإقليمي والدولي .
> فإذا لم تتدخل ظروف وعوامل أخرى تعيق التقدم نحو الأمام ، فإن العلاقة السودانية الأمريكية قد تنفتح في يوليو المقبل في حال رفعت العقوبات نهائياً على آفاق جديدة ، وتبدو الدبلوماسية السودانية واعية بما يكفي بالظروف الراهنة وتعمل من أجل العبور إلى الضفة الأخرى .
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة