أرض الميعاد
صورة على الأسافير تظهر فيها امرأة تخيط قماش مقعد الحافلة الممزق.. لم يدفع لها أحد.. لكن إحساس من يملك الشيء.. فيسامره شعور بالفخر إن كان جيداً.. أو الخذلان كان سيئاً.. قفزت الى ذهني تلك الصورة.. وأنا أتجول بين شوارع أحد الأحياء المصنفة درجة أولى في العاصمة بحثاً عن منزل (بالوصف).. كانت المنازل تشمخ عالية.. جميلة المعمار.. لكن الشوارع سيئة الى حد لا تتخيله.. لماذا تجد دائماً أسوأ الشوارع في الأحياء التي تعد درجة أولى.. وراقية كمان ويسكنها علية القوم؟؟..
تسنى لي مشاهدة فيلم أمريكي.. اسمه (أرض الميعاد).. يحكي عن شركة تستثمر في مجال استخراج الغاز الطبيعي.. الأبحاث الأولية التي أجرتها الشركة أظهرت أن هناك بلدة صغيرة يعمل أهلها بالزراعة وتربية الحيوانات.. هذه البلدة غنية بالثروات في باطن أرضها.. دارت كل أحداث الفيلم حول الأساليب التي انتهجها بطل الفيلم مندوب الشركة في اقناع السكان بأن استخراج هذه الثروات هي خير لهم ستأتي لهم بالمال والرفاهية.. يمكنهم ابتعاث أولادهم للجامعات بسهولة ويسر.. يمكنهم بناء منازل فاخرة.. شراء ما يحبون.. في المقابل نشطت جماعات المحافظة على البيئة في النقاش معه.. واقامة ندوات تثقيفية للأهالي لتعريفهم بالخطر المحدق بهم في حال استخدام هذه الشركات للمواد الكيمائية التي قد تضر بالمواطن والحيوانات.. ومن ثم على المدى البعيد تؤثر على التربة والمناخ.
استغرقت في تفاصيل الفيلم.. أعجبتني تلك الحيل التي استخدمها ممثل الشركة لاقناع السكان.. وذلك الصبر الذي تعامل به البروفسور الجامعي ممثل حماة البئية.. لكن الخلاصة كانت في احترام الإنسان وعقله.. واحترام ملكيته لهذه الأرض.. والأهم الاعتراف بأنه أهم من كل الثروات رضاؤه هو المطلوب.. لا يمكن أن تدخل الشركة أراضي هؤلاء الفلاحين دون اقتناعهم التام ومن ثم نيل توقيعهم بكامل الحرية على إيجار الأرض للشركة لاستخراج الثروات.
لماذا لا تتم معاملتنا بذات الطريقة؟؟ ما الذي يجعل (البني آدم) هناك.. أنساناً كامل الأهلية.. وهنا.. بكون الإنسان فأراً يمكن طرده بأسوأ الأساليب؟؟؟؟ لماذا يكون الإنسان هناك.. يملك الأرض التي يدفع ثمنها ويصبح من حقه الموافقة على ما يحدث فيها.. إن كان خيراً.. أو شر؟؟!!.. لماذا نصحو فجأة لنجد شركة ما (دون استشارة أهل الأرض).. أعطيت حقوق امتياز التنقيب عن الذهب.. أو البترول.. أو صيد السمك.. أياً كان.. وعندما يبدأ الأهالي في الاعتراض.. تتم الإجابة عليك بأن الأرض هذه (أرض الحكومة).. تفعل ما تشاء بها.. وقتما تشاء وكيفما تشاء؟؟ طيب ونحن نطلع مين مثلاً؟؟ ما هي صفة الناس الذين ولدوا وتربوا.. وكانت هذه الأرض ملكاً لأجدادهم آلاف السنين؟؟
تلك المرأة التي خاطت قماش المقعد كانت تعلم في قرارة نفسها.. أن هذه الحافلة لها فيها جزء.. فهي مواطنة كاملة الأهلية.. لذلك عندما تمزق القماش لم تنتظر الجهة المسؤولة لتخيطها.. أخرجت الإبرة والخيط وعكفت بكل أريحية لتصلح العطب.. لكن تجد عندنا من يشيدون المنازل.. يرفضون تسوية الشوارع.. لن تجد أحد يفكر في إصلاح شيء خرب.. ذلك ببساطة لأن حدساً خفياً يخامرهم بأن هذه الشوارع ليست لهم.. لذلك يتركونها للحكومة (مالكة كل الأراضي) لتسويها متى يسنح لها الوقت ويتوفر المال.. غايتو أنا ملاحظة حاجة.. إنو المياه والأراضي والكهرباء وكل ما يقرب إليها من قول أو عمل.. ملك خاص للحكومات.. حصلوا (الهواء).. بعد شوية ممكن يبقى يصرف بالأنابيب.. ويبقى فيهو ملك حر وملك عين.. وإيجار وعقودات وحاجات وشنو شنو.. الله غالب.
صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة