لا يا شموسي
صديقتي.. في بلاد الاغتراب.. نقلت الى شقة جديدة.. قالت أن أهم ما حفزها لاستئجارها.. أن الشقة المقابلة لها (سودانيين).. وهكذا نحن نبحث عن بعضنا في أي مكان.. ليه ما عارفة.. أمضت صديقتنا يومها في ترتيب البيت.. بينما استغرق زوجها في تنظيم مكتبته التي تحتوي على كتب قيمة ومهمة.. وهو المعروف بحب القراءة واقتناء الكتب النادرة.. في المساء زارتهم جارتهم السودانية مصطحبة معها ابنها ذو الثلاثة أعوام (شمس الدين) والذي تناديه بلقب (شموسي).
منذ دخول شموسي شقة صديقتي.. توجه مباشرة الى مكتبة زوجها وعاث فيها فساداً. شي جديع كتب.. وشي تمزيق صحف وجرايد.. والزوج يتابع من بعيد كاظماً غيظه.. وصديقتي (مقلقلة) ما عارفة تعمل شنو.. أما والدته فكانت تقول بصوت واهن (لا يا شموسي.. عيب كدا) ومن ثم تواصل الثرثرة والونسة.. وشموسي.. ولا على بالو.. في النهاية.. قررت المغادرة.. فما كان من زوج صديقتي إلا مناداة شموسي من بعيد.. دخل شموسي إليه ومن ثم صرخ صرخة.. فقد قرصه في خده وحذره قائلاً (لو جيت هنا تاني بكتلك).. وقد كان ذلك اليوم هو آخر ظهور لشموسي وأمه في شقة صديقتي وزوجها.
تذكرت قصة شموسي.. وعقدت مقارنة بفقه التحلل.. .الذي يجري تطبيقه.. على لصوص المال العام فيقال لأحدهم (لا يا شموسي.. عيب كدا.. رجع القروش).. ويتم إعادة رأس المال بعد تدويره.. وأخذ الأرباح..ويا دار ما دخلك شر.. المفارقة أن شموسي هنا (لا أحد يقرصه).. بل يتم قرص الحرامية قليلي الهمة والطموح.. الذين يسرقون خلاطة من مطعم.. أو ملابس من حبل الغسيل.. لكن الذين يختلسون بالمليارات.. يتم التفاوض معهم تحت شعار (المال تلتو ).. ومن ثم يقال لهم (عيب يا شموسي.. تاني ما تعمل كدا).
الشاهد في الأمر.. أن (شموسي) عرف القصة وأصبح لا يغامر كثيراً في سرقات صغيرة.. ولكنه احترف الشغلانة.. فصارت النقود.. تختفي.. مدة من الزمن.. لا أحد يعرف أين ذهبت.. ومن ثم فجاة تظهر.. فيتنفس الجميع الصعداء.. وربما تم إلباسها ثوب كرامة ما.. فما من جهة في الأرض.. يختفي المال العام فيها ويعلن عن ظهوره دون اتهام أحد ما.. إلا.. عندنا.. السؤال هو.. المبلغ العائد.. هل يظهر كما هو.. ولا بي (وليداتو ). يعني مراعاة لفروقات الوقت وسعر الدولار.. وكدا يعني.. على العموم.. نبارك لشموسي البراعة.. والاحترافية.. ونيله لقب (الحاوي).. واللي بيعيش يا ما يشوف.. (هات يا زمن.. هات يا زمن جيب كل أحزانك تعال.. جيب المحن).
صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة