تحقيقات وتقارير

الصادق المهدي ما بين التمنّع والامتناع

رشحت الأخبار برفض مبارك الفاضل المهدي منصب وزير الخارجية ثم تلاه رفضه وزارة الداخلية، والذي أثار دهشة خصومه قبل أنصاره ، وقبل أن يجف مداد التسريبات المتواصلة عن الحكومة المرتقبة كانت المجالس السياسية تهمس باجتماع سري ضم الفريق أول ركن بكري حسن صالح ومبارك الفاضل المهدي حتى الساعات الأولى، بعدما بعث الرئيس عمر البشير، رسولاً يستوضح أسباب رفض الرجل وتعليلاته والتي انتهت بموافقته بمنصب وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء للقطاع.

وظلت حالة المد والجزر في المفاوضات بين مبارك وبكري وإيجاد صيغة ترضي الطرفين حتى قبل ساعات من توقيت إعلان الحكومة الذي تأجل، فغير بعيد منها كانت اجتماعات النظام مع ابن عمه الصادق المهدي، والتي تمت على أعلى مستوى، طالب خلالها بمشاركة جزئية يتولى فيها نائبه في الحزب منصباً دستورياً اتحادياً بالإضافة لمواقع ولائية، ولكن حينما كشف إبراهيم محمود جزءاً من الطبخة قبل نضوجها، سارع حزب الأمة القومي عبر الأمانة العامة لنفي مغلظ ، الأمر الذي دفع المؤتمر الوطني للعودة مرة أخرى ليفتح أبوابه من جديد مع شريك واضح مثل مبارك الفاضل، دون أن يقع في نفس فخ تعيين اللواء الركن عبد الرحمن الصادق مساعداً قبل ذلك.

إرهاصات حكومة الحوار الوطني زعزعت ترتيبات حزب الأمة بكل تياراته كما فعلت بالاتحادي والشعبي وغيرهما، فعودة الصادق المهدي وتخليه عن تحالفاته الخارجية ورفضه ترؤس نداء السودان كانت ضمن محاولاته لإقناع البشير بعدم استيعاب مبارك في “كابينة” الدولة ومناصبها العليا، فالاجتماع الذي تسرب بين الإثنين حيث طلبت الحكومة مشاركة مباشرة من إمام الأنصار، وصلت إلى طريق مسدود ، ليسقط ورقة ” الفيتو” الذي يستخدمه دائماً في وجه ابن عمه حتى لا يكون جزءاً من المعارضة أو جزءاً من الحكومة، ليتحول تشكيل الحكومة إلى صراع في مستقبل قيادة حزب الأمة والتوريث.

التململ الواضح لمجموعة الفريق صديق نائب رئيس حزب الأمة القومي للمشاركة لن تجد طريقها للتنفيذ بدون مباركة واضحة من رئيسه الذي يتخوف من تكرار تجربة نظام مايو، والذي لا يريد أن يكون “رديفاً” كما صرح من قبل، فكان يُمني النفس أن يمر الاتفاق بهدوء كما فعل سابقاً مع ابنه عبد الرحمن، ليضرب عصفورين بحجر واحد، قطع الطريق أمام “الفاضل” حسب اشتراطه للمؤتمر الوطني، وفك الاشتباك بين تيار الفريق صديق وتيار سارة نقد الله الأمر الذي كان سيسهل عليه انعقاد المؤتمر العام لحزبه، ولكن رياح المشاركة لم تأت بما يشتهي المهدي، لتظل جميع الاحتمالات مفتوحة لعودته لمنفاه الاختياري ومحاولة ترميم تحالف قوى “نداء السودان” بعدما عصفت به الخلافات.

وتظل قضية دستورية اجتماع الهيئة المركزية وانتخاب سارة نقد الله أمينا عاماً، صراعاً آخر لا يحسمه إلا انعقاد المؤتمر العام الذي تأخر لمدة أربعة أعوام ومع غياب رؤية سياسية والصراعات التنظيمية يظل انعقاده محفوفاً بالمخاطر التي قد تؤدي إلى انقسام جديد في الحزب المنقسم على نفسه.

الصيحة