تحقيقات وتقارير

خبير الأمم المتحدة المستقل..تفاصيل بيان طال انتظاره

نصف ساعة من التأخير جعلت الحضور في المؤتمر الصحفي لخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، “أريستيد نونونسي” يديرون نقاشات مستفيضة ويتساءلون حول تأثير ما دار أمس الأول بين الحكومة والحركات في دارفور، على بيان الخبير المستقل والذي يأتي في ختام زيارته الرابعة للبلاد والأخيرة قبل تقديم تقريره للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في البلاد في سبتمبر المقبل، ثم دخل “نونونسي” بهدوء لقاعة المؤتمر الصحفي معتذراً عن التأخير، وبدأ يقرأ بيانه حول الأوضاع في البلاد بعد زيارة امتدت من11 إلى21 من الشهر الجاري، التقى خلالها عدداً من المسئولين ومنظمات المجتمع المدني وزار خلالها ولاية النيل الأزرق.
جهات تعارض خروج يوناميد
قال الخبير المستقل إن الحكومة ترى أن الوقت قد حان لخروج قوات يوناميد من دارفور في وقت ترى فيه بعض الجهات في المجتمع الدولي عكس ذلك، مشيراً إلى أن مفاوضات خروج يوناميد لا زالت جارية .
وأكد الخبير أن الأولوية في المفاوضات الجارية بين الحكومة والأمم المتحدة بشأن خروج يوناميد هي حماية المدنيين.
خرق وقف إطلاق النار
حاول “نونونسي” بقدر الإمكان الإمساك بتلابيب الوسطية في ما حدث أمس الأول من معارك بين الحكومة والحركات وتبادل الاتهامات بين الطرفين حول انتهاك وقف إطلاق النار، بالرغم من سؤال الصحفيين له أكثر من مرة،عن تعليقه على ما حدث، واكتفى بالقول (أقر بأن هناك إطلاق نار في دارفور وأن الوضع لا يزال يصعب التنبؤ به)، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يحدث في مثل هذه الحالات خرق لوقف إطلاق النار، وأبدى “اريستيد” تفاؤله بأن ما حدث أمس الأول مجرد معارك وأن الطرفين لن يستمرا في ذلك.
وقال الخبير في بيانه إنه لاحظ أنَّ تنفيذ وقف إطلاق النار في دارفور متماسك بشكل عام، ولكن على الرغم من وقف الأعمال العدائية بين القوات الحكومية وحركات المعارضة المسلحة، فإنَّ التهديدات بالعنف والهجمات ضد المدنيين لا تزال مستمرة بأشكال أخرى، مشيراً إلى أن ذلك يشتمل على العنف بين الطوائف والعنف الجنسي، واختطاف المدنيين. وأطالب حكومة السودان بالتركيز على تنفيذ أحكام وثيقة الدوحة للسلام في دارفور المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات المسلحة، وحل تلك الميليشيات حتى تتسنى معالجة قضايا الحماية في المنطقة.

الخبير فخور بتقييم أوضاع حقوق الإنسان في السودان
قال الخبير المستقل خلال تقديمه لبيانه أمام الإعلاميين أمس (الأحد) بمباني مقر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنه يشعر بالفخر بتقديم تقييمه الأولي لأوضاع حقوق الإنسان في السودان، شاكراً الحكومة على دعوتها له وتعاونها معه أثناء هذه الزيارة.
وأوضح “نونونسي” أن الحكومة أتاحت له الوصول إلى جميع الأماكن والأشخاص والمؤسسات التي طلب الوصول إليها.
وقال الخبير إنه خلال زيارته للبلاد التي استمرت لـ11 يوماً زار الخرطوم والنيل الأزرق والتقى بمجموعة واسعة من الأطراف المعنية، من بينهم: وزير الخارجية، ووزير المعادن والأمين العام للحوار الوطني، ووكيل وزارة العدل، بالإضافة إلى عدد من الوحدات والوكالات الحكومية المتخصصة، ولجنة التشريع بالمجلس الوطني، والنائب العام، والسلطة القضائية، والمفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، وعدد من قادة المجتمع المحلي، والأكاديميين، وممثلي المجتمع المدني، وممثلي النازحين، وهيئات الأمم المتحدة، والبعثات الدبلوماسية في الخرطوم، مشيراً إلى أن الهدف من تلك اللقاءات والزيارات الميدانية كان متابعة القضايا التي اعتبرها مثيرة للقلق والتي حَدَّدْها أثناء زيارته للبلاد فبراير الماضي، فضلاً عن مناقشة حالة تنفيذ التوصيات المُضَمَّنَة في تقريره الذي رفعه في شهر سبتمبر 2016 لمجلس حقوق الإنسان.
وأكد “نونونسي” أنه خلال زيارته الأخيرة للسودان التي أجراها في فبراير 2017، لاحظ بعض التطورات الإيجابية.
ترحيب بالعفو الرئاسي
وجدد الخبير ترحيبه بقرار رئيس جمهورية “عمر حسن البشير” الذي أصدره في 8 مارس 2017 بالعفو عن 259 من أفراد الحركات المسلحة الذين أُسِرُوْا أثناء القتال مع القوات الحكومية في دارفور. ويشتمل هذا العدد على 66 مقاتلاً كان قد حُكِمَ عليهم بالإعدام، فضلاً عن الإفراج عن اثنين من القساوسة الذين كان قد حُكِمَ عليهم بالسجن 12 سنة.
تسهيل وصول المساعدات الإنسانية
“اريستيد نونونسي” الذي بدا راضياً إلى حد ما عن الحكومة، أثنى كذلك على الجهود الحكومية المبذولة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من الصراع في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، معتبراً ذلك تدابير مُرَحَّبٌ بها، مؤملاً أن تساعد في تحسين البيئة السياسية والاجتماعية في البلاد.
المفوضية القومية لحقوق الإنسان
أبدى الخبير الأممي كذلك سعادته بتعيين رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، الذي عُيِّنَ في 16 مايو. أكد “نونونسي” على أهمية الدور الذي يمكن أن تؤديه مؤسسة قومية مستقلة لحقوق الإنسان في البلاد مناشداً السلطات بملء الوظائف الشاغرة المتبقية للمفوضين بطريقة تتسم بالشفافية والتمثيل، ودعم مؤسسات حقوق الإنسان القومية بالتمويل اللازم لتمكينها من أداء مهامها بفعالية.
وشدد “اريستيد” على ضرورة امتثال المؤسسة القومية لحقوق الإنسان لمبادئ باريس المتعلقة بأوضاع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، لتتمكن من أداء دور حاسم في رصد وتعزيز التنفيذ الفعال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان على المستوى الوطني.
قلق
على الرغم مما أسماه خبير الأمم المتحدة التطورات الإيجابية إلا أنه أكد أنه لا يزال يشعر بالقلق حيال عدد من قضايا حقوق الإنسان بالبلاد التي لم تُعَالَجْ معالجة كبيرة على حد قوله، مشيراً إلى أنه على عِلْمٍ بما أسماه الحوادث التي تبدو وكأنها مضايقات واعتقالات تستهدف ممثلي منظمات المجتمع المدني.
وحث “نونسي” الحكومة على الإفراج عن الدكتور “مضوي إبراهيم آدم” و”حافظ إدريس”، وقال الخبير إنه يؤمن بأنهما ظلا محتجزين فقط بسبب الأعمال المشروعة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في السودان.
وحث “نونونسي” السلطات أيضاً للنظر في إجراء التعديلات اللازمة على قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني لسنة 2006، في السودان، لجعله يتماشى مع الدستور الوطني الانتقالي، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. والنظر في إلغاء جميع الأحكام في هذا القانون التي تؤثر سلباً في عمل منظمات المجتمع المدني، ومن بين هذه الأحكام: المواد من المادة 7 إلى المادة 14 التي يتضمنها هذا القانون. وأضاف (يجب أن يُسْمَحَ للجهات الفاعلة في المجتمع المدني بأداء أنشطتهم في بيئة مفتوحة وآمنة وسليمة).
وقال الخبير إنه يشعر بالقلق أيضاً تجاه قضية “آدم أحمد عبد البشير عبد البارئ” الذي ظل مُحْتَجَزَاً منذ تاريخ اعتقاله في 23 نوفمبر 2016مناشداً السلطات بالإفراج عنه، مشيراً إلى أن اعتقاله تم بسبب عمله مع اليوناميد.
مخاوف أخرى
وأضاف “نونونسي” أن من المخاوف الأخرى التي ناقشها مع الأطراف ذات الصلة: الحاجة لضمان حماية حرية الأديان، لافتاً هنا إلى هدم الكنائس وأماكن العبادة الى جانب ترويع واحتجاز واعتقال قادة دينيين مسيحيين. وأوضح أنه أثَارْ هذه القضايا في نقاشاته مع المسؤولين الحكوميين باعتبارها مخاوف مشروعة يجب على حكومة السودان أن تنتبه لها، بالنظر إلى أهمية حرية الأديان في أيِّ مجتمع ديمقراطي.
وعبِّرَ الخبير عن قلقه بشأن الرقابة المستمرة على الصحف، والقيود المتزايدة على الصحفيين التي تحد من تعبيرهم عن آرائهم بحرية، مشيراً إلى إيقاف صدور صحيفة (الجريدة) في ديسمبر 2016 بواسطة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وقال إن ذلك يتعارض مع الدستور الوطني الانتقالي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه جمهورية السودان، مطالباً الحكومة بأن تؤكد أنَّ طلب الاستئناف الذي قدمته هذه الصحيفة قد حصل على مراجعة قضائية مستقلة. وأضاف (آمل أن يُرْفَعَ قرار إيقافها وأن تحصل على التعويض المناسب).
وكشف “نونونسي” عن حصوله على تأكيدات من لجنة التشريع في البرلمان السوداني، على أنَّ عملية تعديل قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي ستكتمل بضمان امتثالها للمعايير الدولية، مشيراً إلى أنه مع وجهة النظر القائلة بجعل جهاز الأمن والمخابرات الوطني بما يتماشى مع المعايير الدولية هيئة حكومية تعمل كوكالة استخبارات تُرَكَّزُ على جمع المعلومات وتحليلها، وتقديم النصح للحكومة، مؤكداً أن ذلك سيساعد في تحسين بيئة حقوق الإنسان في السودان.
النيل الأزرق
وتابع الخبير المستقل في بيانه إنه زار ولاية النيل الأزرق والتقى بعدد من المسؤولين في الولاية، وقادة المجتمع المحلي، وممثلي هيئات الأمم المتحدة، وممثلي المجتمع المدني، الذين شاركوه بعض المعلومات المحدثة ذات الصلة بالأوضاع الأمنية وأوضاع حقوق الإنسان في المنطقة. وقال “نونونسي” إن من قابلهم أعربوا عن حاجتهم للاستفادة من المساعدات الفنية في مجال حقوق الإنسان، وناشد الحكومة والمجتمع الدولي على تقديم الوسائل والموارد اللازمة لقادة المجتمع وممثلي المجتمع المدني المعنيين، وذلك لتقوية قدراتهم لحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
وأردف قائلاً: إنه خلال زيارته للدمازين، زار معسكر العزازي الذي تفيد التقارير أنه يستضيف أكثر من 4000 نازح، مبدياً قلقه حيال الظروف التي قال إنها محفوفة بالمخاطر التي يواجهها النازحون هناك والذين أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى مواطنهم إذا تحسنت الأوضاع الأمنية.
وناشد “اريستيد” الحكومة والمجتمع الدولي بزيادة مساعداتهم للنازحين، وبالعمل من أجل تهيئة الظروف اللازمة لعودتهم إلى مواطنهم، مطالباً جميع أطراف الصراع باحترام حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي الإنساني، وتسهيل وصول تقديم المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة بالصراع.
ورحب خبير الأمم المتحدة بما فعلته السلطات، وقادة المجتمع المحلي في الدمازين وإنشائهم آليات وعمليات لتسهيل المصالحة في المنطقة. وقال إنه يشجع السلطات على العمل من أجل معالجة الأسباب الجذرية للصراع، لتحقيق سلام دائم في المنطقة.
ونوه “نونونسي” إلى أهمية وضع إطار قانوني ملائم، وإجراء الترتيبات المؤسسية والإصلاحات الديمقراطية اللازمة، مشيراً إلى أن كل ما سبق يُعْتَبَرُ خطوات أساسية يجب على حكومة السودان أن تتخذها لضمان حماية وتعزيز حقوق الإنسان في البلاد.
وقال الخبير إن بعض الشركاء قدموا –بالفعل- الدعم اللازم لتنمية قدرات نظام العدالة الرسمي (المحاكم، والقضاة، ووكلاء النيابة، والشرطة، والإصلاح) وذلك من أجل تعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية ومكافحة الإفلات من العقاب مكافحة فعَّالة، مناشداً المجتمع الدولي بمواصلة وزيادة مساعدته التي يقدمها لحكومة السودان، ويشتمل ذلك على تمويل مشروع سيادة حكم القانون وحقوق الإنسان في دارفور.
وطالب أيضاً الحكومة بتسهيل نشر بعثة التقييم الفني التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في السودان، وذلك من أجل مناقشة مجالات التعاون الفني المحتملة مع السلطات السودانية وغيرها من الأطراف المعنية، بما في ذلك هيئات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، والأوساط الدبلوماسية.
وحث الخبير الحكومة وشجعها على مواصلة جهودها الرامية لمعالجة التحديات المذكورة أعلاه، مشيراً إلى أنها تُشَكِّلُ الأساس اللازم لتحديد جوانب المساعدات الفنية وبناء القدرات المطلوبة لتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. وقال إنه سيشير إلى هذه القضايا بتفصيل أكثر في تقريره الأساسي، الذي سينظر فيه مجلس حقوق الإنسان في دورته السادسة والثلاثين المقرر انعقادها في سبتمبر2017.

المجهر السياسي