الغول والعنقاء ..
يبدو أن الرئيس اليوغندي يوري موسفيني كمن يحرث في البحر ، أو يحاول النقش على صفحات الماء ، وهو يعقد اجتماعاً دعا له وترأسه من أجل توحيد الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان!..
واجتمع لديه في كمبالا منذ يومين شتيت الحركة من أطرافها الممزقة مجموعة الرئيس سلفا كير الممسكة بالسلطة ومجموعة العشرة من المعتقلين السابقين تضم باقان أموم الأمين العام السابق ، وغاب بشخصه ولحمه ودمه د.رياك مشار زعيم المعارضة والنائب الأول السابق لرئيس الجمهورية في جنوب السودان ونائب رئيس الحركة الشعبية .
> يعلم السيد موسفيني أن ما بين فرقاء الحركة الشعبية من رفقاء الأمس ما صنع الحداد ، ولا تستطيع هذه المجموعات المتنافرة أن تضع خلافاتها جانباً وتقدم على التوافق والالتئام مرة أخرى بعد أن سال الدم أنهاراً وضربت بينهم نزاعات عميقة غورت الجراح ودفعت دولة الجنوب الى أتون حرب قبلية حدثت فيها اصطفافات بين مختلف مكونات الشعب الجنوب سوداني، زادت من حريق الحرب اشتعالاً .
> وتمثل النخبة السياسية الجنوبية خاصة قيادات الحركة الشعبية، أكبر الأعباء التي أثقلت بلداً حديث الولادة والتكوين ، ولم تحصد هذه النخبة سوى الإخفاق في إدارة وطنها الذي عاش مرارات الحرب وتلظى في جمرها ، ولم تفكر قيادات الحركة الشعبية إلا في ذواتها وأطماعها وهي تقدم أفشل تجربة حكم أطاحت بتطلعات الشعب الجنوبي في الاستقرار والسلام والتنمية والخدمات والخروج من ركام الحرب .
> في محاولته لتوحيد ما لا يمكن توحيده ، يعلم السيد الرئيس اليوغندي أن ضيوفه لا يمكنهم تجاوز مراراتهم والحقائق الموضوعية على الأرض التي تجعل من التوافق الجنوبي أمراً مستحيلاً . فالاتفاقية التي وقعت من قبل في أروشا لتوحيد الحركة الشعبية ثم الاتفاقية التي أبرمت في أديس لم يهتم أحد بتطبيقها ولم يأبه لها الشعب الجنوبي نفسه لأنه يعلم بالأسباب الحقيقية التي تجعل من أي اتفاق بين نخبة هي حبر على ورق ، وستتصادم الطموحات السياسية الى ما لا نهاية وتنهض الالتزامات والفواتير السياسية الواجبة السداد أمام الجميع .
> جنوب السودان في أمسَّ الحاجة اليوم الى التهدئة ووقف الحرب وإغاثة المتضررين من النازحين واللاجئين ، فما يقارب المليون ونصف لاجئ فروا الى السودان وأعداد مماثلة الى دول الجوار الأخرى ومنها يوغندا نفسها ، وتدمرت الكثير من المرافق الخدمية وتعثر حتى التخطيط للبناء والنهضة وتناقصت عائدات الموارد او المورد الوحيد للدخل القومي وهو النفط ويقف الجنوب على حافة الانهيار والفشل الاقتصادي الكامل مترافقاً مع الفشل السياسي والأمني .
> ما يعرفه الجميع ومنهم الرئيس موسيفيني إن قضايا دولة الجنوب والمجموعة الحاكمة والحركة الشعبية المتحكمة ، هي قضايا متداخلة ومتشابكة شديدة التعقيد لا يمكن حلها بمجرد طرح مبادرة او عقد اجتماع فوقي لقيادات سياسية ثبت عجزها ولم تقدم ما يبرر وجودها على دفة القيادة، وهناك عوامل أخرى محلية وإقليمية ودولية لا ينفع القفز فوقها عند محاولة اكتشاف الطريق المفضي للحل .
> مع أنه لم يحقق اجتماع الرئيس اليوغندي مع أطراف الحركة الشعبية المتشاكسة شيئاً ، إلا أننا نتمنى أن يسهم قادة دول جوار جنوب السودان في دفع عملية السلام وتنفيذ الاتفاقية التي لا يمكن أن تطبق دون وجود كل الأطراف وأهمها المعارضة وقيادتها المتمثّلة في رياك مشار الذي لم يخدم إبعاده من المنطقة برمتها أية خطوة لتحقيق الأمن والسلام..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة