تحقيقات وتقارير

البحث عن منصب والفرار من شرك منصوب .. شعبيون في “الوطني” .. الهجرة إلى ما هاجروا إليه

من أكثر العبارات التي كان يرددها الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، الراحل د. حسن عبد الله الترابي، بحق تلامذته الذين اقتعدوا وثير كراسي (القصر) في صف المؤتمر الوطني الحاكم، أقواله من (المنشية): (قلوبهم هنا، وأصلابهم هناك).

وإن كان ذلك حديث يوجهه الترابي إلى تلامذته عامة، فإنه يمكن سحبه على الخصوص الذين هجروا رمضاء الشعبي، وتوجهوا تلقاء نعيم الوطني، وهم قادة يشار إليهم بالبنان، فلم يا ترى كانت هجرتهم؟ وكيف ينظر لها إخوانهم السابقون؟ وكيف هي أحوالهم بعد حالة تقارب تلت حال تفاصل تطاول.

إِذاً حين تفاصل الإسلاميون في رمضان 1999م، تمايزت صفوفهم، فمنهم من اختار السلطة، ومنهم من اختار المعارضة، أو لنقلها برؤية كل فريق للآخر: من اختار الحكم ومن انحاز إلى الشخوص.

قائمة طويلة من الأسماء اللامعة في الصف الحكومي، ابتدرت مسيرتها بالوقوف جنب الترابي، أبرزهم د. الحاج آدم يوسف، حاج ماجد سوار، حامد ممتاز، محمد الحسن الأمين، بدر الدين طه، وعيسى بشري.

استرجاع

مع بدايات العام 2003 شرعت قيادات في حزب المؤتمر الوطني خطة لاسترجاع القيادات الإسلامية في صف الشعبي، من خلال إدارة حملات قوية تتضمن مراجعات للمواقف بعد سنوات أربع، ولكن في الضفة الثانية كان ينظر على الأمر بأنه محاولة استغلال لظروف وأوضاع عدد من القيادات وجرهم الى بلاط السلطة عبر إغراءات المال والمنصب.

مفارقة

من هارب ومطلوب لدى الدولة إلى نائب رئيس الجمهورية، هذه قصة د. الحاج آدم يوسف الذي فضل هو الآخر مفارقة درب وطريق الترابي بعدما انهك من المطاردة بين فيافي وأدغال الجبال الأرترية على إثر اتهامه بتدبير محاولة انقلابية برفقة قيادات من المؤتمر الشعبي.

وانتقل الحاج انتقالاً سلساً إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم، واستصدر بحقه عفواً عاماً عاد بموجبه إلى العاصمة الخرطوم محتفىً ومرحباً به ، ليشغل منصب الأمين السياسي للحزب مروراً برئيس القطاع السياسي الذي تندرج تحته خمس أمانات أخريات. وبحلول العام 2013 انتقل آدم ليتولي منصب نائب لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذي لم يمكث فيه طويلاً حيث أنه بحلول انتخابات أبريل لعام 2015 وحدوث إحلال وإبدال في المنصب غادر رجل المنشية السابق، القصر.

رحلة طه

كان أبرز وأهم هؤلاء الأشخاص المغادرين لمقاعد حزب المؤتمر الشعبي رئيس مجلس الشوري د. بدر الدين طه الذي مضى مع الترابي مناصراً له ومؤسساً للشعبي، واضعاً للوائح تنظيمه، ومديراً لمجلس شوراه، ولكن مع مرور الزمن يمم طه شطر القصر، متسنماً منصب وزير الارشاد والأوقاف بولاية الخرطوم، وهي ذات الوزارة التي تحولت إلى مجلس أعلى للدعوة والإرشاد، حتى تم اعفاؤه من بعدها ليشارك في بعض المناشط العامة مع اهتمامات خاصة بمؤسسات التعليم بالبلاد، وما يعرف بالمجلس الأعلى للذكر والذاكرين.

وعل تلك التقلبات في المنصب دفعت رفاق طه ليقولوا أنه بحث عن وضع اجتماعي واقتصادي أفضل، وناله.

الأمين

يعتبر عضو البرلمان ورئيس لجنة التشريع والعدل السابق محمد الحسن الأمين هو الآخر من الذين رجحوا كفة الوطني على الشعبي، من بعد اختياره الشعبي بادئ الأمر.

وحسب مصدر تحدث لـ (الصيحة)، وطالب بحجب اسمه، فان الأمين خرج من الشعبي بطريقة بها قدر كبير من الدهاء مستغلاً في ذلك مجموعة الخلافات التي كان يعيش فيها مع بعض قيادات المؤتمر الشعبي، وكذلك بحثاً عن وضع اقتصادي أفضل حيث تم إدراجه ضمن الطاقم القانوني الأول للوطني ومن ثم دخل المجلس الوطني ضمن القائمة الحزبية حيث مايزال تحت القبة مناكفاً ومنافحاً عن المؤتمر الوطني وسياساته و مبتدراً للتشريعات.

مغادرة مؤلمة

علّ من أكثر الشخصيات التي سبب مغادرتها ألماً لدى أنصار الشعبي، مغادرة الشابين حاج ماجد سوار، وحامد ممتاز.

فممتاز رغماً عن قربه من الترابي، اختار الخروج عن جلبابه، مع كونه أحد القلائل الذين رافقوا الترابي في أحلك الظروف حتى في المحبس بسجن كوبر الشهير.

وبالتالي لم يسلم من اتهامات كالها له بعض الإسلاميين الشباب الذين رموه بالخيانة والتجسس على د. الترابي من داخل السجن ونقل أخباره وتحركاته إلى قيادات نافذة في المؤتمر الوطني، لتتم مكافأته بأمانة الشباب في الوطني بمجرد وصوله للكاثوليكي، التي انطلق منها الشاب إلى عضوية القطاع السياسي ومن ثم المكتب السياسي عبر ما يعرف بالقطاع الفئوي وبعدها أميناً للعلاقات السياسية ومشاركاً فاعلاً في الآلية التنسيقية لمبادرة الحوار الوطني التي جاءت به وزيراً للدولة بوزارة الخارجية.

بينما ضرب الشاب (الشعبي) وقتذاك حاج ماجد سوار في الأرض باحثاً عن الرزق، وعمل في مجموعة المشاريع الزراعية في مسقط رأسه بولاية جنوب كردفان.

ولكن بمعزل من أن تكون عودته إلى الوطني ذات أبعاد اقتصادية، قيل إن سوار صادم شخصيات حول الترابي وساءه طاعتهم للراحل طاعة عمياء، فما كان منه إلا أن اختار طريق العودة إلى حزب المؤتمر الوطني عله يجد ضالته هناك، حيث أسندت إليه أمانة الشباب التي غادرها متوجها إلى أمانة التعبئة السياسية بحلول العام 2010 ليتجه للجهاز التنفيذي وزيراً للشباب والرياضة عن حصة الحزب ومن بعدها لوزارة الخارجية سفيراً للسودان بدولة ليبيا ومن ثم تمت الإطاحة به إثر مواجهات مع وزارة الخارجية التي كان يقودها علي كرتي.

دواعي

عن أسباب مغادرة كوادر الشعبي إلى الوطني، توجهت (الصيحة) تلقاء القيادي الشباب بحزب المؤتمر الشعبي، المهندس عبد العال مكين، الذي قال إن معظم المغادرات تمت في توقيت وظروف كانت صعبة على الجميع حيث عمليات التضييق التي ترتب عليها تدنٍّ في الأوضاع المعيشية وذهاب رساميل كثيرين. وهي أشارة تعني أن مكين يشير إلى عناصر رخوة لم تتحمل الضغوطات وقبلت الاستقطاب والإغراءات.

بيد أن حديث مكين لا يقرأ بمنأىً عن المسببات التي يدفع بها المغادرون، وعلى رأسها تبرمهم من طريق إدارة الشعبي وقياداته، وليس نهاية بإعجابهم بتجربة الوطني.

الصيحة