الصادق الرزيقي

ملاحسة السناكيت


في ثقافة أهلنا البقارة ما يسمى ملاحسة السناكيت (السنكيت أعلى ظهر الثور)، فعندما يكون هناك ثوران يناصبان بعضهما العداء ويترصدان بعضاً، ولا يريدان الدخول في عراك وتطاحن وتناطح،

يقتربان من بعضهما البعض في محاولات استفزازية ويتلاحسان سنكيتيهما لكنهما لا يتعاركان رغم تحفزهما لذلك، نقول هذا ونحن نرى في المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية السودان ومصر أمس بالقاهرة شيئاً أشبه بملاحسة السناكيت.

> كل طرف يكظم غيظه، ويواري غضبه، لكنهما يتبادلان الكلام الطيب والنوايا الحسنة ويرددان العبارات التي عهدناها في كل الأحوال والأوضاع. ونرى بوضوح حجم الخلاف الذي حدث والفجوة الكبيرة التي مازالت قائمة إن لم تحل كل القضايا التي سببت التوترات، ولا تبدو نتائج الزيارة ولقاء الوزيرين او مقابلة بروفيسور إبراهيم غندور مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتسليمه له رسالة من الرئيس البشير، لا تبدو واضحة حتى لحظة كتابة هذه السطور، فكل ما هناك حديث طيب وإبداء الرغبة في تجاوز نقاط الخلاف، ولم نلحظ أو نجد إجابات محددة وناجزة في قضية حلايب المحتلة من الجانب المصري ولا الرد من القاهرة على اتهامات الخرطوم لها بدعم الحركات الدارفورية المتمردة، حيث نقل الوزير كل المعلومات للرئيس المصري ونظيره سامح شكري، وطرح الموضوع على طاولة المباحثات الرسمية في مقر وزارة الخارجية المصرية. وكل الإجابات من الوزيرين في المؤتمر الصحفي جنحت إلى التهدئة وعدم الخوض في لجة الخلافات المستعرة، وهو أمر مفهوم في مثل هذه الحالات، ومن الضروري أن نلمس بأيدينا ما تم التوصل إليه ومعرفة ما تمخض بدقة، حتى لا تسهب وسائل الإعلام والصحف في التخمين والتكهن والرجم بالغيب، فالمطلوب من الطرف المصري إدانة ما جرى في دارفور أخيراً، وتوضيح ما يتعلق بالمدرعات والمصفحات المصرية وبقية العتاد الحربي، كما ينتظر اتخاذ خطوات جادة تجاه الحملات الإعلامية المسعورة ضد السودان.

> ولا يمكن النظر إلى الزيارة إلا من جانب واحد، أنها لم تعط كامل الصورة، وعسى أن يتحدث الوزير غندور عقب عودته للخرطوم عن تفاصيل أخرى تروي غلة الصادي، وتوضح ما الذي دار في أصعب مهامه الدبلوماسية.
> وحتى لا نسرف في التفاؤل، يمكننا القول والزعم إن العلاقة السودانية المصرية المنحدرة إلى القاع رغم إيجابيات زيارة بروف غندور، لم تخرج بعد ولا عما قريب من دائرة الخطر، ولم تبتعد عن غرفة الإنعاش كثيراً.
> فالظاهر الآن أن مصر اطلعت على كل المعلومات وعلى حقيقة الموقف السوداني من تورطها في دارفور، فإن أنكرت السلطات المصرية تسليمها الدعم والمدرعات مباشرة للمتمردين وقالت إنها سلمتها حفتر، فذلك لا يعفيها من الجرم، لأنها بالتأكيد تعلم كل صغيرة وكبيرة في تحالفات حفتر ومرتزقته، إضافة إلى أن صديق عدوك هو عدوك.

> وليس بخافٍ على أحد في السودان، أن التحركات المصرية في جنوب السودان وفي ليبيا كلها جاءت متزامنة مع توتر العلاقة مع الخرطوم وكلها تصب في اتجاه واحد، وستكون هناك أضرار بالغة بمصر في استمرار تعاونها وتدخلها غير الحميد في أزمة جنوب السودان وفي ليبيا، وستتحول الأزمتان في كلا البلدين المضطربين الى حرب إقليمية، لأن هناك أطرافاً في الإقليم باتت تنظر بقلق بالغ إلى ما تقوم به القاهرة .

> وبين هذا وذاك، فإن زيارة الوزير غندور وما شكلته من تحول في مسار التطورات الأخيرة بين البلدين، نرجو ألا يكون فيها أي تراجع أو تنازل عن قرار مجلس الوزراء بحظر دخول المنتجات المصرية الزراعية والصناعية حتى تنجلي الأمور، فقبل وأثناء الزيارة نشطت الغرف التجارية المصرية واتحادات أصحاب العمل والمنتجين ولجان البرلمان المصري، كما تم تكثيف الدعاية الإعلامية والكتابات الصحفية حتى يصنع مناخ ضاغط على زيارة غندور ويتم التأثير عليها.
> على كل نحن ننتظر النتائج الإيجابية والأيام بيننا، فإن كانت هناك تهدئة فعلية وتوقفت مصر عن دعمها المعارضة السودانية والحركات وتوقف الإعلام المصري عن الاستفزازات وتمت خطوات جادة لمعالجة الملفات الساخنة، يمكننا عندها أن نقول إن هناك أملاً في التقدم خطوة، غير ذلك فالأمر كله كما قلنا ملاحسة سناكيت.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة