الصادق الرزيقي

حول أحداث لندن


بالطبع لا يولد الظلم والعنف إلا عنفاً مضاداً ، ما تحصده بريطانيا من أعمال إرهابية هو الثمرة المرة لسياسات الغرب تجاه الشعوب والمجتمعات التي قهرها الغرب في السابق وسلَّط عليها حكومات باطشة في الحاضر ، وتآمر على حرية الشعوب واختيارها الحُر حتى وإن اتخذت ديمقراطية (وست منيستر) منهجاً وطريقاً للوصول الى السلطة .

> لا يمكن تفسير الأعمال الإرهابية التي تضرب عديد العواصم الأوروبية ، إلا كونها ردات فعل عنيفة وانعكاس لأزمة اجتماعية ساحقة تعاني منها المجتمعات الغربية التي يقطن فيها وينتمي إليها بعض المتهمين بممارسة الأعمال الإرهابية ومن يشتبه في تورطهم في مثل هذه الأعمال .
> لا تتحمل الأوضاع البريطانية الضربات الموجعة والمتتالية التي حدثت في مانشيستر قبل أيام ولندن يوم أمس مما أدى الى وقف الحملات الانتخابية واتخاذ تدابير أمنية وسياسية ما كانت لتتم في تاريخ بريطانيا لولا هذه الأحداث .
> وتحتاج العواصم الغربية والحكومات ومراكز البحث والدراسات الى النظر بدقة الى الأسباب الحقيقية وراء جنوح البعض وخاصة الشباب الى ممارسة العنف والتطرف والإرهاب سواء أكانوا من أبناء المجتمعات الغربية أم الوافدين إليها، حيث يظن أن الحضارة الغربية بغلوائها المادي قد استوعبتهم وذوبتهم في مصهرها الكبير .

> الأمر ليس كما يظن لاتزال الفجوات واسعة لم تُجسَّر بعد ، ولايزال هناك بعض ممن ينظرون الى أن الإرهاب هو مجرد تضييق وإجراء أمني صرف تقوم به أجهزة الأمن وقوات الشرطة والجيوش ، ويغفلون البعد الاجتماعي والسياسي والفكري في هذه الظاهرة التي تؤرق العالم كله ، فإذا كانت الحكومات الغربية تفرض مفهوماً وتعريفاً خاصاً بها للإرهاب ، وتصنف وفق الهوى السياسي من تشاء وتضعه في قوائمها، فإنها لن تجد حلاً للظاهرة ولن تستطيع معالجتها وإنهاء وجودها ، بل تتفاقم يوماً بعد يوم .
> لقد ظهرت العواصم الغربية أنها مستباحة وغير قادرة على حماية نفسها دعك عن ذهابها لحروب بعيدة في العالم الإسلامي والعربي وإفريقيا وغيرها من دول العالم الثالث ، لقد باتت خائرة ليس بسبب تسامحها الديني او حين تعاملاتها مع الوافدين إليها وهذا أمر فيه ألف شك وشك ، ولكن بسبب تجاهلها أن الظلم يولد إرادة مخبولة في غالب الأحيان وتنسيق حفلات الجنون .

> على العالم أن يجلس وبتواضع لتعريف الإرهاب من جديد فالمقهورين والمظلومين من أصحاب الحق تكون أحوالهم ملهمة لمن يتعاطف معهم او ينتمي الى بيئاتهم للتشفي والانتقام .
> أما الحديث عن أن الغرب صنع بعض هذه المجموعات الإرهابية وهو يجني ما زرع الآن ، فلا جدال في ذلك لأن الحكومات الغربية باتت لا تتعلم شيئاً ولا تُحسن قراءة ما بين أيديها..
وكون الحكومات الغربية لا تُحسن قراءة ما بين أيديها، فإن ما يترتب على إجراءاتها حيال ظاهرة الإرهاب منقوصة او هي في الاتجاه المضاد دائماً ، ونظراً لأن المعالجة الأمنية لم تفضِ إلا الى مزيد من التعقيد، فإن عالمنا بحاجة الى تدابير أخرى ، وأهمها أن تكف عن مؤامراتها ضد الشعوب الأخرى وتحاول تدعيم التنمية والنهضة والتوازن في معدلات النمو الاقتصادي بين شمال العالم وجنوبه ،وبين فقراء الدنيا وأغنياءها. .

> وقضية الإرهاب لم تعد أمراً محصوراً في إطاره الأمني والاستخباري ، وخير تجربة يمكن أن تُهدى للدول الغربية، هي تجربتنا السودانية مع خطاب الغلو والتطرف ومحاضن ما يمكن أن يسمى بالتعصب الأعمى المُفضي الى الانضمام للجماعات التي تُمارس العنف. فالسلطات السودانية تعاملت مع الشباب السوداني المعجب بتجربة داعش او سعوا للانضمام إليها، عن طريق التحاور والتناصح والجدال الفكري حتى تم إقناع عدد كبير منهم وتخلوا عن الفقر المتطرف وانخرطوا في الحياة واندمجوا واندغموا من جديد ، وهي تجربة فريدة تختلف عن كل المعالجات التي تتم في كثير من البلدان . وبما أن الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا جماعة، فإن منهج الحوار والمعالجات القائمة على الإقناع والفكر والتحاجج هي أنجع السبل الى احتواء ومحاصرة الظاهرة..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة