الصادق الرزيقي

مع الرئيس بين المتعففين .. صورة خارج الزمن ..

تجربة تصعد بروحك الى مدارج السمو ، وتجلي إيمانك ، حيث تبدو الحياة في أزهى وأرقي معانيها ، كما تبدو ضئيلة ..حقيرة.. عندما ترى الناس يتنافسونها كما تنافسوها ، وترى اللاهثين خلفها يتدثرون بثياب زائفة ،

بينما الواقفين على جمرها بأقدام حافية الواثقون في بارئهم الراجين فضله ، سابحون في يقينهم ، تنفحهم الحياة نفحاتها وهم شاكرون .
مساء أول من أمس ، في إطار برامج الراعي والرعية الذي ينظمه ديون الزكاة من سنوات كل رمضان تحت رعاية وزير الرعاية الاجتماعية ، كانت بادرة ومفتتح هذا العام هذا الشهر الفضيل ، هو زيارات السيد رئيس الجهورية لبعض الأسر المتعففة والأسر المنتجة، ولم تتجسد معاني التراحم والتعفف والعفاف والكفاف وكأنها قطرة ودق لم تصل التراب بعد نقية صافية ، إلا في هذا البرنامج الذي حقق مقاصد الدين وإنسانيته وقيمه الكبرى ، ويكتشف المرء فيه في كل عام أبعاداً جديدة لم تكن في الحسبان.

رصد ديوان الزكاة ما يزيد عن الـ (370) مليون جنيه لدعم المتعففين والمنتجين ، وحددت أكثر من (4200) أسرة على مستوى القطر كله كما أفاد الأستاذ محمد عبد الرازق وهو يتحدث ونحن في عربته نشق أحياء شمال الشقلة بمحلية شرق النيل في معية السيد الرئيس في زيارات لمثل هذه الأسر ، يقول محمد عبد الرازق « بركة هذا المشروع إنه خالص لوجه الله تعالى ، وبه تم حل مشكلات للأسر الفقيرة المتعففة والمنتجة، وفرنا وسائل إنتاج ودعمنا بما استطعنا لإقالة العثرة وتوفير الاحتياجات الضرورية ، ولا يوجد في العالم الإسلامي كله مشروعاً مباركاً بإذن الله ويتلمس حاجة المحتاج ويغيث الملهوف مثل هذا البرنامج الذي يرعاه السيد الرئيس راعي الأمة الذي يتوجه بجهده معنا ويخلص لله في متابعته تنفيذه ، وكل ما نقوم به هو عبادة لله وتقوم لجان الزكاة القاعديةعلى مستوى الأحياء وفق معايير ضابطة ومحكمة في اختيار الأسر وتمحيص الحالات حتى يطمئن القلب ثم نبدأ ..

بينما كانت السيارات تشق عتمة الليل البهيم ودون ضوضاء كبير ، كنا ندخل الى شارع ضيق في حي الشقلة شمال جوار مقابر البنداري ، بيت بسيط وسط الحي ينضح بالضياء ، لأن من يكسب قوت أهل البيت، معاق حركياً ، يتحرك على كرسي متحرك ، ويعول أسرة من ستة أشخاص، المنزل ورثة يتكون من غرفة واحدة وراكوبة ، هذا الشاب محمد يوسف موسى صالح البالغ من العمر 37 عاماً حباه الله بملكة فريدة ونبوغ في مجال الإلكترونيات حول الراكوبة في المنزل الى ورشة يقوم فيها بالاستفادة من الأجهزة الإلكترونية المتعطلة كأجهزة الراديو والتلفزيونات والحواسيب ويصنع منها سماعات واجهزة ( mb3) ومكبرات صوت وغيرها من المبتكرات وابداعات محمد يوسف .

تحدث في الزيارة معتمد شرق النيل الأستاذ عبد الله الجيلي ، وأعقبه أمين عام ديوان الزكاة الذي أفاد بأن ورشة بقيمة40 ألف جنيه تم تمليكها للاخ محمد يوسف موسى صالح ، تناولت الأستاذة مشاعر الدولب وزير الرعاية والضمان الاجتماعي المشروع وأهدافه، وأعقبها رئيس الجمهورية الذي تبرع بمنزل للشاب محمد موسى وورشة في موقع متميز ومعرض لعرض منتجاته ، وأثنى الرئيس على معاني التكافل والتراحم في المشروع وأعلن دعم الدولة للقطاعات المنتجة وخاصة المعاقين وهم عناصر المجتمع التي يجب أن تدعم ويتم الوقوف معها ، وقال الرئيس إن الدول حولنا تعاني من التمزق وتشرد مواطنيها بينها دول ما كنا نظن أن يحدث فيها يوماً ما جري فيها ، وتعهد بأن يذهب الدعم للمحتاجين والأرامل والأيتام وذلك أوجب واجبات الدولة ، وأضاف هذا الأنموذج الذي أمامنا يبعث الأمل فلو وجه كل إنسان طاقاته للعمل والإنتاج لتطورت البلاد وهي تحوي خيراً كثيراً.

الحالة الثانية كانت في منزل بدر الدين محمد التوم أحمد وهو يعول أسرة كبيرة مكونة من 14 فرداً كان سائقاً لإحدى الشاحنات الكبيرة وتعرض لحادث عام 2011 ولزم الفراش طريحاً بسبب الإصابة التي جعلته مشلولاً كانت دموع الرجل تجري من عينيه وهو في سريرة ورئيس الجمهورية بجانبه يقف معه يتعهد بعلاجه وتعليم أبنائه وبناء منزل له وتمليكه ورشة عمل ( حدادة) لمواصلة الحياة ولإعالة أسرته وتكفل السيد الرئيس بعلاجه ومتابعة حالته في العلاج الطبيعي حتى يشفى ، والمحزن أن الرجل يواصل في العلاج الطبيعي بواقع ثلاث جلسات في الأسبوع تكلف الجلسة الواحدة مائتي جنيه توفرها إحدى زوجاته من بيع الآيس كريم .

أما الحلة الثالثة ليوم أمس في جولة الرئيس بمحلية شرق النيل بولاية الخرطوم ، فكانت عند الأستاذ إبراهيم سري وهو رب أسرة متعففة تكابد الحياة فالأستاذ إبراهيم معلم بالمعاش أفنى عمره في الكد والجهد وتعليم الأجيال المختلفة قارب السبعين عاماً بترت رجله اليمنى ، يتقاضى معاشاً يبلغ (370) جنيهاً يسكن بالإيجار في منزل بالحاج يوسف المايقوما مريض بالقلب قلبه يعمل بنسبة 25% فقط يعول أسرة من (8) أفراد توفيت زوجته بالسرطان ، بكى الرجل الكبير والمعلم العتيد والرئيس بجانبه ويتحدث المعلم وأفضاله على المجتمع وأنه كاد يكون رسولا ، وأنه هو من أعطى ولم يأخذ ، وبين تلاميذه الأطباء والمهندسين وكبار الموظفين . المعلم هو قيادة المجتمع الحقيقية. وقال الرئيس مخاطباً الأستاذ إبراهيم سري جاء وقت الواجب وجئنا لرد بعض الدين، وأعلن السيد الرئيس إنه يتولى بالكامل علاج الأستاذ إبراهيم وتكملة ما ينقص من دعم الديوان وتبرع ديوان الزكاة وسلمه أمام الرئيس عربة أمجاد جديدة تسلم مفتاحها من يد السيد الرئيس ..

ما بين الدموع وزغاريد النسوة في الثلاثة منازل والأسر التي زرناها ، كانت معاني المشروع تفيض كما نور البركات وتشع في الليل الحالك ونحن في الطرقات الضيقة نخرج منها بعد انتصاف الليل ، تلك صورة الحياة الحقيقية .. والناس لاهون في ملاهيهم في مساء رمضان وهي أيضاً صورة لكنها خارج الإطار ..

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة