ثلاثة..ثلاثيات
أعذروني، أحاول اقتناص عطلة الجمعة لتبادل بعض الرؤى والمفاهيم والمعاني معكم.. كتبت خلال ثلاثة أسابيع عن العلاقة والمفارقة بين ثلاث.. (الفؤاد القلب الصدر). استسمحكم اليوم مواصلة التعمق في هذه المفاهيم لأنني لم استكمل المعنى المستهدف لتفسير علاقة الدين بالسلوك الإنساني.
سأربطها لكم بثلاثة أخريات.. بالله تمعنوا معي في الآية الكريمة (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة النور (35)
لاحظ في حالة (النور).. العلاقة بين الثلاث.. المشكاة المصباح- الزجاجة.
علاقة نسبية فيها تداخل إحتوائي.. المشكاة تحتوي الزجاجة.. والزجاجة تحتوي المصباح.
ثم في حالة (الظلام) علاقة بين ثلاث هي (بحر- موج – سحاب) في الآية (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) سورة النور (40).. نفس علاقة الاحتواء.
هذه الثلاثة ثلاثات.. ترسم فكرة واحدة.. خيط متصل يربط بين (الفؤاد، والقلب، والصدر) من جهة و(المشكاة، والمصباح، والزجاجة) من جهة .. و(البحر، والموج، والسحاب) من جهة ثالثة.
الثلاثة الأولى عن (الإنسان).. والثلاثة الثانية عن (النور).. والثلاثة الأخيرة عن (الظلام).
إذا افترضت أن كل ثلاثة هي مكون قائم بذاته Entity فكل مكون يعتمد على عامل خارجي في الفعل.. أو في الإشعال Triggering.
في المجموعة الأولى المتعلقة بالإنسان الفعل ينشأ من (الحواس).. وأهمها (السمع والبصر) فهي التي تنجب الحركة أو السكون.
في المجموعة الثانية المتعلقة بالنور (يوقد من شجرة مباركة..)
في المجموعة الثالثة المتعلقة بالظلام .. تغيب الحاجة للعامل الخارجي للفعل لأن الوصف هنا للوضع الخامل وهو الظلام أي غياب النور. (ومن لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور).
الإنسان ينشأ في المجموعة الأخيرة.. في ظلمات ثلاثة.. ظلمة المشيمة داخل ظلمة الرحم.. داخل ظلمة البطن.. بإدراك صفري..
ثم يخلق الله له أدوات الإدارك.. (السمع والأبصار).. ثم يخرج للحياة ويبدأ رحلة البحث عن (النور).. بمعناه المعنوي.
السمع والأبصار.. تمنح الفؤاد (مجمع الحواس) الإدراك الذي يسيطر على برمجيات الإنسان (القلب) Software.. وتبدأ المعارف في التراكم وتبنى قاعدة المعلومات (الصدر) Database التي توجه سلوكه العام ومزاجه و(هواه!!).
العلاقة الإطارية الاحتوائية بين (الفؤاد والقلب والصدر) هي ذات العلاقة بين (المشكاة والزجاجة والمصباح)..
محور قضية الدين هو (السلوك!!) الإنساني.. كل المضامين التي تحتشد في أدبيات الدين القصد منها تقويم السلوك الإنساني في الوضع المنسجم مع غايات الحياة والكون..
(السلوك) الإنساني يدار في حركته وسكونه بالإدراك الذي جمعه (الفؤاد) وغذى به مخزن المعارف (الصدر) ليصنع موجهات Instructions القلب.
السلوك المستقيم في مقابل المعوج..هو نتاج ما أنعم الله به من (النور).. في ظلمات الإنسان الثلاثة.
للأسف المكان لا يسع لمزيد الشرح.
[/JUSTIFY]حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]