هل صممت تزهداً وعبرة ..؟
قد لا تحتاج الأنظمة السياسية ذات الأعمار الطويلة إلى من يذكرها بميلادها، خاصة إذا كانت قد مرت بمراحل تطور مختلفة أفضت في نهاياتها إلى فتح النوافذ والأبواب حتى تغدو ملامحها ورواد ساحاتها غير أولئك الذين مشوا تحت راياتها عندما بدأت وتسلمت مقاليد الأمور.
> وعلى مظنة ذلك أبدت الإنقاذ زهداً محيراً في تناسي تفاصيل شهادة الميلاد التي تملكها، فهي لم تعد تهتم كثيراً باليوم الذي تفجرت فيه ثورتها، فهو لم يكن تحركاً عسكرياً انقلابياً تقليدياً كما يحدث في كل الانقلابات العسكرية، إنما تغيير سياسي واجتماعي هائل حدث في السودان، تقف وراءه حركة سياسية تمتلك رؤية ونظرية تريد تطبيقها وأهدافاً ترغب في الوصول إليها، وبان تزهد الإنقاذ خلال سنوات مضت وليس اليوم فقط، فهي من عشر سنوات تقريباً أو يزيد، وضعت عن نفسها ثياب الاحتفال الزاهية، وأجبرت نفسها على تقبل فكرة طوباوية مسرفة في الخيال، إن يوم (30) يونيو من كل عام سيكون لدى السودانيين يوماً عادياً مثل كل الأيام، لا درة على تاجه تلحظ، ولا شامة على خده تُعجب، ولا صولجان في يده يتباهى بها هذا اليوم على غيره من الأيام، ولم تدر الإنقاذ أن معارضيها ومؤيديها من الشعب كافة، ليسوا كذلك .. من يعارضها يرى في يوم ميلادها شؤماً لا يضاهيه شؤم ونحساً لا يقاربه نحس، والمؤيدون يرونه يوم انبلاج فجر، ومفصل تحولت به حركة التاريخ السياسي وتحققت فيه إرادة وطنية جديدة دفعت بالبلاد إلى اتجاه آخر.
> كل طرف من الطرفين ينظر ليوم الإنقاذ بمنظاره، ولذا هو ليس يوماً خامل الذكر لينسى ويطمر في غياهب التاريخ ولفافات الزمن، فالإنقاذ تعاملت بكونها نظاماً سياسياً تطور مع الأيام وتخلص من دوغمائية الفكرة القديمة والنهج والأسلوب، وخرجت ربما إلى فياح أوسع من مواعينها الضيقة إذا صب عليها يوم الميلاد ألوانه وأصباغه.
اتحاد الكرة .. خطأ الدولة
> في أزمة اتحاد كرة القدم ومن كثرة ما نقرأه يومياً حولها، نرى ودون أدنى شك أن هذه الأزمة بكل دوافعها وذيولها تحولت الى قضية سياسية من الدرجة الأولى، وينبغي معالجتها في الإطار نفسه واتخاذ قرارات شجاعة حيالها، ويتضح من تطورات هذه الأزمة منذ الاتفاق السابق في إجراء الجمعية العمومية للاتحاد في أبريل الماضي حتى اللجوء الى الفيفا والاستقواء بها على نظم ولوائح وقوانين الدولة ومن قبلها النظام الأساس للاتحاد ولوائحه، أن الغرض من المماطلة ثم تصعيدها من قبل الاتحاد المنتهية دورته، لم يكن الهدف منه الحرص على أهلية وديمقراطية العمل الرياضي، فهذا أبعد ما يكون في تفكير المجموعة التي انتهت فترتها وسعت الى تأجيل انعقاد الجمعية العمومية واختيار الاتحاد الجديد، والدليل على أن ذلك كان بعيداً عن تفكيرها، ما قامت به لاحقاً من تشويه متعمد وقبيح لصورة البلاد في الخارج لدى الفيفا في وقت يسعى فيه السودان لتحسين صورته الخارجية ويجتهد في تنظيف ما علق به من تشويش، وهنا تجد السياسة منفذها في القضية، فمن منصة الرياضة تم اتهام الحكومة بأنها أتت بجنرال لقيادة الاتحاد، ثم إلصاق تهم خرقاء بأجهزة الدولة مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطني وتصويره كأنه يدير الأوضاع المتعلقة باتحاد كرة القدم، ومعلوم من الذي يستفيد من مثل هذه التهم والأباطيل في هذا التوقيت الدقيق ..؟ ثم أن المجموعة نفسها إن كانت تدعي أنها مضرورة مما يجري وما جرى، فلماذا لم تلجأ للجهات العدلية والقضائية لأخذ حق سلب منها؟ والجميع يعلم أن ما أنجزته هذه المجموعة كان صفراً كبيراً، فقد تراجع ترتيب السودان عالمياً من (81) إلى (156)، وأصبحنا بعد دولة جنوب السودان رغم عراقة السودان وريادته.
> محصلة هذا الحديث أن ما يجري تلاعب باسم البلاد وسمعتها الممرغة في التراب، وإهانة للدولة وللعمل الرياضي الذي يتوجب تنقيته وتبرئته من الأطماع الشخصية ومحاولات البقاء ولو على حساب الآخرين والوطن كله، ومما يؤسف له أن الحكومة تعاملت مع هذا الموضوع بما لا يليق بها، حاولت التعامل بلطف وتريث حتى وقع الفأس في الرأس، وكان ينبغي حسم هذه الأمور في مهدها وعدم المجاملة واتخاذ القرارات الناجزة والناجعة في وقتها بقوة.
> أمام الحكومة خيارات محددة بعد أن لُطخ وجه البلاد بوحل الخلافات والمطامع والرغبات المتوحشة في هدم المعبد، عليها أن تحسم هذا الأمر لصالح القانون وتطبيقه وإبراز ما يثبت للفيفا أن ما تم في الجمعية العمومية الأخيرة والانتخابات كان صحيحاً لا غبار عليه، وكشف اللعبة القذرة التي تمت والتواطؤ والتضليل الذي مورس على الفيفا نفسها.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة