مقالات متنوعة

شعب مقهور ومحقور


وحدث ما توقعناه، تم تجميد نشاط كرة القدم السودانية على جميع الأصعدة، واستبعاد منتخب السودان والأندية من المشاركات الخارجية بما فيها أندية هلال التبلدي والمريخ والهلال العاصمي من منافسات دوري أبطال التي تجري هذه الأيام.
* القرار تأخر كثيراً بعد أن ماطلت الدولة ممثلة في وزارة العدل عن إلغاء قرار طرد مجموعة معتصم من مقر الاتحاد الذي تحتله مجموعة الفريق، واعتمدت على حيطة مايلة ظلت تستند عليها لحلحة مشاكلها السياسية ممثلة في (خارطة الطريق)، وطاولة المفاوضات التي ظلت تجتمع وتنفض دون نتيجة ظنا منها أن الفيفا هي الاتحاد الافريقي، وأن فاطمة سامواه هي ثامبو أمبيكي، ولم يفطن أعقل من فيهم أن الفيفا هي المنظومة الدولية الوحيدة التي لا تقبل (اللت والعجن).

* كنت من أنصار التجميد تماماً ليس في كرة القدم فحسب، ولكن في كل المناشط حتى ينتفض جمهور الرياضة الشغوف والذي لا يعنيه انخفاض الجنيه مقابل الدولار، ولا انتشار الكوليرا وفتكها بالأرواح البريئة، ولا سقوط المنازل على رؤوس سكانها جراء الامطار، ولا استمرار الحرب بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، لأن الذي يعني الشعب من كل ذلك هو عدم توقف اللعب، وعدم توقف نشاط كرة القدم التي (شفطت) من مال الشعب الكثير جداً دون نتيجة ايجابية ولأكثر من 28 عاماً، لأنه وعقب هذا التوقف سيفوق من غيبوبته وينتبه لما يحدث من حوله من دمار شامل.

* المواطن الذي داست عليه السياسات الاقتصادية الخانقة وجعلته فقيراً محتاجاً، هو ذاته المواطن الذي يعافر في الفقر والحاجة ليوفر ثمن تذكرة حضور مباراة معروفة نتيجتها سلفاً، ليخرج بعدها من الاستاد (يسب ويلعن أبو خاش اللاعبين والاداريين) وقبل أن يصل بيته لا بد وأن يحرص على زيارة الصيدلية لشراء شريط بنادول أو حبة ضغط أو حبة سكر ما يعني المزيد من الضغوط المالية.

* المواطن الذي حُرم من العيشة الكريم والسترة، لا يهمه حتى ولو عاش حياته مديوناً ومضيوماً، ما يهمه فقط أن يرى الكرة أمامه تتنطط باستمرار ودون توقف، ويتنطط حولها أشباح يسمون مجازاً لاعبين، وهو ذاته المواطن الذي بيده إحداث التغيير في حكم البلاد، وهو الوحيد القادر على إحداث الحراك وتعبئة الشارع بما ينتظره من مستقبل قاتم، والدليل على ذلك المسيرات الغاضبة وإغلاق الشوارع بحرق الإطارات التي قادها مشجعوا المريخ بالخرطوم إمس الإول ومشجعوا هلال الأبيض عقب وصول خطاب الفيفا الخاص بالتجميد.

* لا زلت عند رأيى بأن المؤتمر الوطني هو سبب الحصار الرياضى بعد أن أوصل البلاد للحصار الاقتصادي والعزلة، ومصادرة الحريات، وسيسعى جاهداً لممارسة المزيد من الضغوط على المواطن أملاً في إلهائه بالمعايش والأمراض والجهل، عن ما يتم من نهب لثروات البلد لصالح فئة طفيلية.

* واتفق تماماً مع كتبه الزميل الأستاذ خالد عويس في صفحته على الفيس بوك بأن غالب إنجازاتنا الرياضية كانت في عهود الديمقراطية، أو ثمرة من ثمراتها، كأس أمم أفريقيا ١٩٧٠، الهلال في نهائي أبطال أفريقيا ١٩٨٧، المريخ يفوز بكأس مانديلا ١٩٨٩، سمعة الكرة السودانية تجلب سانتوس البرازيلي بقيادة بيليه لملاقاة الهلال، وليفربول الانجليزي يحضر بكامل نجومه ليلاعب منتخب الخرطوم، والسودان ينال كأس البطولة العربية لكرة السلة 1970، غيرها من إنجازات في مجالات أخرى من الرياضة، هذا ينطبق أيضاً على الفنون جميعها، مناخ الحرية محفّز على الحياة والإبداع، وبيئة القهر والقمع لا تؤدي إلا للدمار الشامل، دمار الإنسان ذاته، إنها سيكولوجية الإنسان المقهور!.

* حقيقة نحن شعب مقهور ومحقور ويتعين علينا نفض غبار 28 عاماً من القهر والتخلف والاذلال والتعفن الفكري والتبلد السياسي.
* عقب تجميد الكرة، فإن الكرة الحقيقية في ملعب المعارضة إن كانت أحزابها جادة في إحداث التغيير.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة