مزمل ابو القاسم

جنة في أمانة!!


خبر لافت للانتباه، طالعناه في إحدى الصحف السياسية قبل أيام، وأشار إلى أن أمين الشباب في حزب المؤتمر الشعبي ألتقى ممثلين من مجموعتي معتصم وهمد، ساعياً إلى حل أزمة انتخابات الاتحاد العام.
قبلها أصدر حزب المؤتمر السوداني بياناً هاجم فيه المؤتمر الوطني، وحمله مسئولية تعليق عضوية السودان في الفيفا، وسار على دربه الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي، وأحزاب أخرى، تدافعت لتنتقد الحزب الحاكم وتحمله مسئولية التجميد.
لم يعرف عن المؤتمر الشعبي اهتماماً بأمور الرياضة، ودخوله على خط الأزمة يؤكد صحة ما تخوفنا منه في هذه المساحة.
أن تتحول ملاعب الرياضة إلى ساحة صراع سياسي، خلافاً لنصوص قانون هيئات الشباب والرياضة، الذي حظر تلك التدخلات تماماً، وخلافاً لكل التشريعات التي تحكم عمل اللجنة الأولمبية الدولية، ومعظم الاتحادات الدولية والقارية، في كل الرياضات.
الوقائع التي أشرنا إليها تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ الرياضة السودانية.
زج (ساس يسوس) في الرياضة ممنوع بأمر الميثاق الأولمبي الدولي، وبنصوص النظام الأساسي للفيفا.
أي لاعب أو إداري يرفع شعارات سياسية أثناء أو على هامش أي مباراة، في أي لعبة يتعرض لعقوبة صارمة، تصل حد تجميد النشاط.
في السودان قصد المشرع أن يحد من التدخل الحكومي في الشأن الرياضي، لعلمه بأن تلك التدخلات ملغومة، ويمكن أن تؤدي إلى تجميد نشاط أي اتحاد تحدث فيه.
لبلوغ تلك الغاية تم تقليص صلاحيات وزير الشباب والرياضة الاتحادي، وألغيت المادة التي كانت تمنح الوزير حق التدخل لحل الاتحادات وتكوين لجان تسيير (للمصلحة العامة).
كان قانون 2003 يمنح المفوضية الاتحادية حق الإشراف على انتخابات الاتحادات العامة، وكل إجراءاتها، وكانت إجراءات الترشيح والطعون ونشر كشوفات المرشحين وحتى عملية الاقتراع تتم داخل المفوضية، وتم إلغاء تلك الصلاحيات، وأحيلت إلى الاتحادات التي تمتلك أنظمة أساسية دولية تمنع التدخل الحكومي في شئونها، مثل اللجنة الأولمبية السودانية، واتحاد كرة القدم السوداني!
علماً أن القانون المذكور أجيز في خواتيم العام المنصرم.
إذا كانت الدولة قد اختارت بمحض إرادتها أن تكف يدها وتمنع وزيرها المختص من التدخل في انتخابات الاتحادات الرياضية، فمن باب أولى أن تكف كل الوزارات والأحزاب أياديها عن الشأن الرياضي، ومن الطبيعي أن يكون المؤتمر الوطني الذي قاد ذلك التوجه الراشد وحوله إلى قانون ملزم على رأس تلك القائمة!
التوجه المذكور يمثل الحارس الأول للرياضة من التأثر بالصراعات الجهوية والسياسية والعرقية.
في عالم الرياضة السودانية يمكن لمواطن ينتمي إلى قبيلة الشايقية (مثلاً) أن يشجع لاعباً ينتمي لقبيلة النوبة، على حساب لاعب من نفس منطقته.
في المريخ يوجد معارضون يدعمون جمال الوالي المنتمي للمؤتمر الوطني، ويهتفون له (الوالي رئيس طوالي)، ويوجد إسلاميون مريخاب يحبون ود الياس، الخليفة الاتحادي.
في أحد مجالس المريخ عمل اللواء ماهل أبو جنة وعصام الحاج (الإسلاميان) رئيساً وأميناً عاماً، وود الياس (الاتحادي الختمي) نائباً للرئيس، والعمدة الفاتح المقبول (الأنصاري المتشدد) رحمة الله عليه، أميناً للمال، ولم تحدث بينهم أي مشكلة.
كانوا يخلعون أثواب السياسة بمجرد أن يلجوا ساحة ناديهم، ليرتدوا ثوب المريخ الواسع الجميل.
مدرجات الإستادات في بلادنا تجمع المسيحي والمسلم، وتتلاشى فيها النعرات الجهوية والانتماءات العرقية والدينية والسياسية تماماً.
الجعلي والشايقي والنوباوي والهدندوي والزغاوي والرشايدي وغيرهم يهتفون جميعهم لفريقٍ واحد، ويشجعونه بحماس، ويصفقون له بجنون محبب.
يشجعون الشعار بغض النظر عن هوية من يرتدونه.
تنظر إلى المدرجات فترى صوراً مصغرةً للسودان الجميل، تجمع كل الأعراق والسحنات بوحدة وطنية حقيقية، تضم الملايين ممن يحضرون إلى الإستادات من تلقاء أنفسهم، بلا حشد ولا استجلاب!
يحرز الفريق هدفاً أو ينتصر فيحتضن أحدهم من يقف بجواره من دون أن يعرف له اسماً أو هوية، يكفي أن يجمعهما حب الشعار، وفي المباريات ذات الطابع الدولي يرتفع هتاف (فوق فوق سودانا فوق) عالياً بلا تكلف.
دخول السياسة على خط الرياضة سيقضي على استقرار الوسط الرياضي، وينسف لُحمته، ويدمر نسيجه القوي المتسامح، الذي يخلو من العصبيات السياسية والجهوية والدينية والعرقية.
الخلافات الرياضية تحسمها القوانين الرياضية، وليس قانون إخلاء المباني الحكومية ولا أي قانون آخر.
ويبقى السؤال الصعب قائماً: كيف سمح الحزب الحاكم للجنة الرياضة، التي تتبع لأمانة الشباب، بالتدخل في الشأن الرياضي، طالما أن الحزب نفسه اختار أن يكف يد الوزير المختص عن التدخل؟
هل استأذنت تلك اللجنة قيادة الحزب قبل أن تزج بنفسها في أمر الانتخابات؟
من الذي فوضها لتتدخل بطريقة البصيرة أم حمد، وتقودنا إلى كارثة تجميد النشاط؟
آخر الحقائق

تدخلت أمانة الشباب في انتخابات اتحاد الخرطوم ودعمت مرشح ينتمي للمؤتمر الوطني (حسن عبد السلام) على حساب مرشح آخر (عبد القادر همد) المنتمي إلى الحزب نفسه!
المصيبة أن مرشحها رسب في الانتخابات!
بالطريقة نفسها تدخلت لجنة الرياضة في انتخابات اتحاد الكرة، ودعمت مرشحاً ينتمي للمؤتمر الوطني (الفريق عبد الرحمن سر الختم) على حساب مرشح آخر (د. معتصم جعفر) المنتمي للمؤتمر الوطني.
إذا كانت تلك اللجنة غير قادرة على التوفيق بين أعضاء الحزب، فكيف توفق بين من لا تربطهم صلة بالمؤتمر الوطني؟
بسبب تلك التدخلات غير الراشدة حدث تراشق شديد بين قيادات تنتمي للحزب الحاكم، وتم توجيه اتهامات قاسية لشخصيات بارزة في المؤتمر الوطني.
هاجم الفريق عبد الرحمن سر الختم، مولانا أحمد هارون في التلفزيون.
بعض قيادات أمانة الشباب ظلت تهاجم جمال الوالي وتتهمه بالانحياز لمجموعة معتصم.
تلك التراشقات تخصم من رصيد الحزب الكبير، وتظهره بمظهر المتنافر الزاخر بالصراعات.
أخطر من ذلك كله الزج بجهات نظامية في المعركة الانتخابية الخاصة باتحاد الكرة.
إذا أراد الحزب الحاكم أن يعرف ما إذا كان تدخله في الانتخابات أثر إيجاباً أو سلباً فعليه أن يستفتي الرياضيين، ليعرف النتيجة!
لا سبيل لإنكار تدخل أمانة الشباب في انتخابات اتحاد الكرة بعد أن أشاد بها همد في مؤتمر صحافي!
أمين أمانة الشباب نفسه، أقر بالتدخل بعظمة لسانه، وأكد أنه حق لهم، وادعى أنهم أتوا بمعتصم جعفر لرئاسة الاتحاد، ومن حقهم أن يقفوا ضده ويختاروا سواه.
أتوا بشداد ثم وقفوا ضده لصالح معتصم، ثم وقفوا ضد معتصم لمصلحة عبد الرحمن سر الختم!
اعتراف الأخ عصام يدل على أن التدخل غير راشد ولا مبرر.
إذا كنتم قد أخطأتم باختياركم لمعتصم، المتهم عندكم بالفشل والفساد وخيانة الوطن، فما الذي يدفع الرياضيين إلى السماح لكم باختيار رئيس جديد للاتحاد؟
ألا يدل حديثكم على أنكم لا تحسنون الاختيار؟
الرياضة تعد من أهم ممسكات الوحدة الوطنية، فلماذا يريدون تدميرها بالتدخلات السياسية؟
نكتة العام، خبر يتحدث عن معاودة الهلال لنشاطه بأدائه مباراة ودية مع الزومة، بعد رفع التجميد!!
شوفوا العجب يا ناس.. الهلال كمان مالو ومال التجميد؟
دخلو بيهو شنو عشان يعاود نشاطو؟
الوقَّف نشاطو منو عشان يعاودو؟
التجميد يعني قمة الكرة السودانية.. ممثلة في الزعيم وهلال التبلدي!
الهلال يشوف كورتو.. ويلعب مع زومتو!!
الثابت أن تجميد الهلال.. تم بأمر الغربال!
الغربال أفتى في أمر المحلي داخل عطبرة!!
إذا كان هناك ناد واحد مستفيد من التجميد فهو الهلال، لأنه أعفاه من خوض أصعب مباراة في تاريخه!
المباراة التي طالب إعلام الهلال فريقه بتعمد الهزيمة فيها، أمام الفرافير!!
آخر خبر: كورة مع الزومة، محتاجة لي سامورا؟

الهندي عز الدين-الصدي