مقالات متنوعة

قراءة في (تصرف) السودان من مسألة التمديد

-من أغرب التفسيرات التي سمعتها حول موقف الإدارة الأمريكية حول تمديد العقوبات على السودان, ما يمكن أن يسمى بـ (نظرية الاستدراج) ومعناها, يقول البعض ان أمريكا قصدت من ذلك الموقف والذي لم يكن متوقعاً, أن يكون (رد الفعل) لدى السودان رداً متهوراً ومتشنجاً

و يتصرف بشكل يبدو منه وكأنه قد رجع الى مرحلة (التناطح) مع أمريكا فتجدها أمريكا فرصة لتقول (ألم نقل لكم)؟ أو على الأقل هذا ما كان يرمي اليه أولئك الذين لا يريدون أصلاً رفع العقوبات عن السودان. وبالرغم من غرابة النظرية وبعدها عن المنطق والسياق الطبيعي والتسلسلي للأحداث, إلا أنها فى النهاية فكرة فكر فيها البعض, خاصة وأنه (لا غرابة) في أي شيء في هذا الزمان. وسواء صحت هذه النظرية أو لم تصح فان (الدبلوماسية) السودانية قد تفوقت على نفسها بذلك الموقف الذي اتخذته عقب صدور القرار الأمريكي بالتمديد. ولقد أحسن البروفيسور إبراهيم غندور وزير الخارجية صنعاً وهو يبادر وبسرعة الى عقد ذلك المؤتمر الصحفي الجامع والهام حيث لم يترك أي فرصة لأي (تفسيرات) غير مسئولة وغير منضبطة يمكن أن تشوش على موقف السودان وتسوقه بعيداً عن السياق الذي رسمته الدولة بكل هدوء وروية. تحدث الوزير غندور بـ (نفس بارد) و بدا (هادئا) و متزناً يختار كلماته بدقة و(يمنطقها) بدلوماسية واعية, كما بدا واثقا من موقف حكومته وقدم موقف السودان بصورة واضحة, وفي اعتقادي أن العبارة المناسبة بدل موقف السودان هو (تصرف السودان) فالصحيح أن السودان قد تصرف بصورة ممتازة وبطريقة تنم عن قدر عال من (النضوج) و الاحترافية. السودان قد فعل كل ما يمكن فعله وليس له ما يقدمه أكثر مما قدم. السودان يعتبر أن مسألة تمديد العقوبات هو أمر ليس له أي مبرر. السودان يتطلع الى رفع العقوبات سواء في 12 أكتوبر, قبله أو بعده. أما مسألة الالتزام بـ (المطلوبات الخمسة) فان ما فعله السودان وسيفعله، فهو ليس نتيجة لإملاءات أو تلبية لشروط, وانما ذلك أمر أصيل في السياسة السودانية الآن وفي المستقبل: (مع السلامة). ولم ينس الوزير غندور أن يؤكد ألا رجعة للوراء, وهو أمر كان العديد من (المتربصين) سواء في الداخل أو الخارج, كانوا يتمنون أن (ينجر) السودان اليه، فقال مازحاً و(جاداً) أنه لا رجعة الى أدبيات (أمريكا قد دنا عذابها), والأمريكان ليكم تسلحنا! أما مسألة إيقاف التفاوض مع الجانب الأمريكي لمدة ثلاثة أشهر فهو أمر طبيعي و ذلك على ضوء ما ذكرنا من شرح موقف السودان أو (تصرف) السودان ازاء ما حدث.
لقد كان لافتاً أن المدة التي اتخذها الرئيس البشير لإيقاف المفاوضات مع الجانب الأمريكي هي نفس المدة التي اتخذها الرئيس الأمريكي ترمب لإعادة النظر في مسألة رفع الحظر, وهو أمر يتعلق بالمعاملة بالمثل وهو أمر أثق أن الجانب الأمريكي يتفهمه ويقدره. وموقف السودان الذي اتخذه يجد التأييد من العديد من الدوائر الغربية وحتى من داخل الولايات المتحدة نفسها, فليس سراً أن معظم الأجهزة (ذات العلاقة) في أمريكا قد أوصت بالرفع الكلي للعقوبات، وهو أمر يتوقع حدوثه قريباً بإذن الله.

عبد الرحمن الزومة -الانتباهة