عثمان ميرغني

منظر رجل الشرطة وهو يبكي في حضرة النائب الأول، ماذا فعل الله به؟


أمس؛ كنت في سيارتي أستمع إلى بثّ مباشر عبر الإذاعة السودانية لجلسة المجلس التشريعي لولاية الخرطوم.. بعد ما ألقى الوالي الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين كلمته قدَّم السيد النائب الأول، ورئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول بكري حسن صالح.. لكن فجأة حدث ما لم يكن في الحسبان.

سمعت عبر الإذاعة صوتاً عالياً لرجل يبدو أنه يحكي عن مظلمة.. لكن المذيع بدأ يثرثر في لا شيء، وفهمت أنه يحاول التغطية على صوت الرجل حتى لا ينتقل عبر الأثير إلى المستمعين.. لعلكم الآن عرفتم لماذا عندما تأتي لحظة البحث عن الحقيقة لدى الشعب فإنه يدير المؤشر إلى أي إذاعة غير )أم درمان(.. فهو يعلم أن الإعلام الرسمي الذي يدفع تكلفته الشعب من حرّ مال فقره المدقع.. عدو للحقيقة.

مندوبنا الصحفي عبد الله ود الشريف الذي كان حاضراً داخل القاعة أكمل لي الصورة.. وروى لي الوقائع، ثم أسمعني حواراً أجراه مع الرجل المحتج من داخل قاعة المجلس التشريعي، والتقط له صوراً خلال مقاطعته مراسم الجلسة بصوته الجهوري.. منظر مؤلم.. صورة الرجل يبكي، وتنهمل الدموع من عينيه.. وما أحرّ دموع الرجال.. خلاصة قصته أنه يعمل في الشرطة، ويملك )كشك( في شرق النيل، تمت إزالته– قبل عامين- في موجة الإزالات المستمرة حتى اليوم.. الرجل حسب قوله تظلم لمكتب السيد والي الخرطوم مباشرة.. وظل ينتظر منذ ذيالك التاريخ.. لكن الجوع وألم الحرمان لا ينتظران.

الرجل كان يصرخ بأعلى صوته، وهو يعلم أن صنيعه هذا قد يجرّ عليه مصائب عظيمة، لكن ليس لديه ما يخسره.. فهو في الحالتين!- طبعاً- بعدها اقتيد بعيداً عن الواجهة.

الآن أستعيد ما كررته هنا كثيراً.. كيف يستطيع المواطن العادي صاحب الحاجة أو الظلامة أن يصل بصوته إلى أصحاب القرار؟، أليست هناك طريقة أخرى سوى الصراخ أو اعتراض سيارة المسؤول الكبير؟، ما هي الطريقة )المؤسسية( للتواصل بين المواطن والحاكم في كل المستويات.. معتمد، والٍ، وزير، رئيس الجمهورية.

في تقديري هنا ثغرة كبرى هي واحدة من أكثر مقعدات العمل العام، إحساس )الناس اللي فوق( أن أهميتهم تزداد كلما عزّ التواصل مع )الناس اللي تحت(.. بل بنفسي رأيت عدة نماذج لمسؤولين كانوا في منتهى التواصل الشعبي والحميمية مع المجتمع قبل وصولهم الكرسي.. وما أن أصبحوا من سكان )البرج العاجي( حتى قطعوا كل صلاتهم بعامة الناس.. والعجيب ما أن يُطاح بهم، ويرجعوا إلى مقاعدهم مع الشعب حتى يتحولوا إلى كائنات أليفة.
السؤال المحك الآن، رجل الشرطة الذي أبكى الناس منظره، وهو يبكي في حضرة النائب الأول، ماذا فعل الله به؟.
والسؤال الأهم، كم من شعبنا المكلوم في مثل وضع هذا الرجل وربما أشد، ولا يجدون الفرصة للصراخ في مناسبة عامة لإيصال صوتهم؟.
يوم القيامة لا تقف خلف مسؤول في الحكومة.. فسيطول انتظارك!.

حديث المدينة – عثمان ميرغني
‏التيار