معركة كسر العظم

ليس هناك من شك أو مراء أو جدال، في أن الأزمة الخليجية وتوابعها، ستكون مقدمة لتحولات كبيرة في المنطقة العربية وربما في الفضاء الإفريقي الأقرب والمجاور لعالمنا العربي وفي مناطق غرب آسيا بما فيها إيران وربما تركيا،
فهناك تمايزات للصفوف تتم بشكل حاد لم تحدث من قبل، فقد ملأت قوى عربية جديدة الفراغ الذي خلفه غياب وانسحاب واندثار التيار العروبي القومي الذي كان يتقاسم ويتنافس مع التيار الإسلامي في قيادة الفعل السياسي بمحمولاته الفكرية والاجتماعية. الآن تشكل توالد ثم تكاثر تيار جديد يستند إلى عكازة النظام الرسمي التقليدي وتحالفاته مع قوى دولية وخاصة مع العدو الصهيوني، لإحداث تغييرات جوهرية يتسيَّد بها على الساحة ويمسك بتلابيب المنطقة برمتها ويوجه دفتها بعد استلامه المقود منفرداً.
> وتنذر هذه الحالة الراهنة والاصطفافات الجارية بقوة وتوالٍ متسارع، بمعركة حامية الوطيس في أكثر من ميدان، ولن تكون فيها المنطقة العربية كما كانت، والواضح جداً أن القوى المستأسدة بجراح مخاوفها وخيباتها وإحباطاتها استسهلت كل مستصعب وتجاوزت المحظور في حربها ضد الطرف الآخر، ودمغته بكل ما يشين بغية إخراجه من الساحة كما أخرجته من سدة الحكم التي وصل إليها عن طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع، فتيار الإسلاميين لم يأتِ على أسنة الرماح كما حدث في مصر وتونس، فقد تم الانقلاب عليه ومحاولة استئصاله في أرض الكنانة، وتجرى وجرت المحاولات في تونس ليكون مصيره ذات المصير لولا لطف الله بتونس، وغير خافٍ أيضاً المؤامرة التي حيكت ضد الثورة السورية، فقواها الحية ضربت وأبعدت من الواجهة، وتم تلطيخها ووصمها بالإرهاب حتى تراجعت وتراجع التأييد لها.
> وتوصف مثل هذه المرحلة في حركة التأريخ بأنها اللحظات المصيرية الحاسمة عندما تصل الأمور إلى درجة انفجار البركان المستعر، فإذا كانت الدول الأكثر أمناً في عالمنا العربي وهي دول الخليج قد دخلت بأقدامها حلبة التنازع والصراع وزاد صليل سيوفها وصهيل أحصنتها المطهمة، وعلا غبار حوافرها واحتدمت الحرب الكلامية.. فالحرب أولها كلام، وذلك مهما كان يعني شيئاً واحداً، أن ما يلي سيكون دونه الرقاب.
> ولم تكن المواجهة بين التيارين في العالم العربي الإسلاميين من جهة والعلمانيين الذين تحالفوا مع المنظومات الأمنية والعسكرية وبقايا النظام الرسمي التقليدي من جهة أخرى، تحتاج أكثر من حلول موعد الحلقة الأخيرة وقدوم ميقاتها المشؤوم لتبدأ حفلات الجنون والدم، الأرض ما اتروت من الماء بعد في العراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن، فهذه اللحظة الراهنة تكاد تشير إلى أنها هي نهاية الطريق المفضي إلى الفوضى العارمة، ويبدو أن العالم الذي يتابع ويخطط ويراقب، خاصة الغربيين .. قد استشعروا خطورة هذه اللحظة الداهمة وهي تنشب أظافرها، وقد أسهموا في صناعتها وبلورة مقتضاها السياسي والإعلامي والعسكري، فها هم ينظرون للطامة الكبرى أو الصاخة التي ستحل بالمنطقة بحالة من الابتهاج المشوب بالقلق، لأن هدفهم هو إعادة رسم معالم المنطقة وإخراج الأمة العربية من دائرة التاريخ.
> في ظل ما يجري (ليس في الخليج وحده) هناك عملية فرز كبيرة تجرى على طول العالم العربي وعرضه، فالقوى الاجتماعية تسبق القوى السياسية في تحديد خياراتها ومواقع أقدامها، وتجرى تحالفات على قدم وساق، ولا توجد فرصة لأيٍّ من الذين ينتمون للنخب العربية وأطيافها الفكرية والسياسية أن يتمهل في اختيار مكانه وصفه، وتلقائياً يجد نفسه في مكانه المحدد، والأخطر ألا يكون هناك حد ولا حدود للمعركة القادمة.. وما الحالة الراهنة إلا مظهر من مظاهرها.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة