العدل أساس النهضة
السلوك المنضبط هو أول عتبة في سلم النجاح لأيّ مشروع نهضوي، والحضارات التي سادت وتعاظم ذكرها إنما هي مجموعة قواعد سلوك إنساني منضبط وتصرفات مسؤولة وممارسات رشيدة، والأمم التي علا شأنها وارتقت، إنما نهضت بالقيم الرفيعة، ومجموع قواعد السلوك المنضبط ، بدءاً من قيمة العدل التي هي أساس الحكم، وانتهاءً بالهمة العالية في أداء الواجبات، فالأمة التي يمارس حكامها الظلم واستغلال النفوذ والفساد على نطاق واسع، لن تنهض أبداً مهما تكاثرت مواردها، وتعددت مصادر ثرواتها، لأن ثنائية الظلم والفساد مع غياب العدالة لن تترك لها شيئاً تنعم به، والأداء الذي لا تصاحبه الهمة العالية فلا محالة إلى بوار.
توقفوا معي قليلاً في هذه المحطات التي تجسد لنا المعنى المراد، ثم بعد ذلك قارنوا وأجيبوا عن السؤال الملح لماذا تتقدم وتنهض أمم وتسقط أخرى في مستنقعات التخلف والجهل.
فعلى صعيد المنظومة العدلية، يمكن الإشارة فقط إلى إدانة الرئيس الإسرائيلي (كتساف) بالتحرش الجنسي بفتاة، فلنستمع إلى القاضي يوم محاكمته وهو يقول: (كتساف) كاذب وقررنا إدانته بتهمتي الاغتصاب والتحرش الجنسي وارتكاب عمل مشين.. وعدد الشهود في القضية بلغ 56 شاهداً منهم المشتكيات الثلاث.. لاحظوا ديل (56) شهدوا وما عندهم آية في كتابهم بتقول ليهم (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)..
ولعلكم تذكرون ما حدث لألولمرت حيث قضت محكمة إسرائيلية في وقت سابق بسجن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت (6) أعوام، وذلك في قضية متعلقة باستغلال نفوذ ورشاوي، وقبل أن نبرح هذه المحطة لا بأس من التذكير بسابقة القضاء الإيطالي الذي حكم على رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني بالسجن (7) سنوات على خلفية فضيحة “روبيغيت” التي اتهم فيها بممارسة الدعارة مع قاصر، حينها انطلقت صيحات الابتهاج من مجموعة من المحتجين الذين صفقوا وغنوا النشيد الوطني بعد النطق بالحكم.
ولست بحاجة إلى التذكير بوزير الدفاع الياباني الذي تقدم باستقالته لمجرد تصادم طائرتين في الجو، واعتبر نفسه مقصراً ومسؤولاً عن الحادثة، يفعل ذلك وكأنه يقتفي أثر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يقول: (لو أن بغلةً بالعراق عثرت لرأيتني مسؤولاً عنها، لِمَ لَمْ أسوِ لها الطريق).!!
أما على صعيد السلوك المنضبط والهمة والمسؤولية في أداء الواجبات، فيمكن أن نشير إلى قصة المواطن الياباني وهو خفير يعمل في أحد المناجم، وعندما انتهى دوامه وسلم الوردية وخرج وجد مسماراً صغيراً ملقى على الأرض فالتقطه وقفل راجعاً إلى المخزن وفتح الباب ووضع المسمار الصغير في مكانه ثم انصرف.. ونزيد على ذلك قصة سوداني بلندن تجاوز الإشارة في شارع خال من الكاميرات، وكان معه صديقه البريطاني الذي غضب غضباً شديداً لذلك السلوك، وبعد ذلك تفاجأ السوداني بـ(إيصال) المخالفة يصل إلى عتبة بيته حيث يقيم هو وصديقه البريطاني، لكن سرعان ما تبددت الدهشة عندما أخبره صاحبه بأنه هو الذي بلغ عنه لأن هذا هو القانون ولا يمكن تجاوزه..اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
احمد يوسف التاي – الصيحة