مقالات متنوعة

وادي حلفا.. سفر الجفا


اتصال في الصباح الباكر.. قالت لي بعد السلام والتحية (معاك بنت عمك مريم سليمان من وادي حلفا).. هلا والله.. كيف إنت والأحبة هناك.. قالت لي بصورة قاطعة قبل الاستطراد في السؤال (نحن عايزين نعرف ليه القطر بتاع حلفا دا.. ما منتظم.. مرة يشتغل كل أسبوعين.. مرة كل شهر.. ومرات كتيرة يتوقف تماما عن المسير..) كيف كدا؟؟ ليه مثلاً؟؟ قطار اكسبريس حلفا الذي كان يتحرك من الخرطوم الى وادي حلفا مرتين في الأسبوع.. ما هي أسباب تراخيه عن المسير؟؟.. قالت إنها لم تدخر وسعاً في السؤال.. كانت الإجابة قاطعة (القطر بيرجع فاضي..يعني بالخسارة معانا).

منطق الربح والخسارة.. وناس يفتح الله.. الشغلانة ما بتخارج معانا.. صار شعار الدولة.. كل مصلحة حكومية أصبح همها التربح على حساب المواطن المسكين.. رغم انه في كل بقاع العالم.. المواصلات يا جماعة الخير (خدمااااات).. تقدمها الدولة للمواطن الذي تلهب ظهره بالضرائب.. لكنه يدفعها مسروراً عندما يجد مقابلاً لما يدفعه.. يتمثل في تعليم مجاني لأولاده وتأمين صحي لأسرته.. ومواصلات عامة تمكنه من الوصول الى بلاده متى شاء.. لكن نحن فوق عزنا وقبائل ما بتهزنا.. نتعامل بشعار (إدفع) ولا تتوقع شيئاً.. وإن حاولت البحث عن حقوقك.. قوبلت بعاصفة من التعالي.. كما قابل السيد المسؤول عن حركة السير في السكة حديد بعطبرة.. قابل اتصال قريبتي مريم سليمان بعنجهية جعلتها تذرف الدمع حسرة.. لم يرد على تساؤلها عن توقف القطار الذي كانت آخر رحلة له الى حلفا يوم 7 رمضان الماضي.. بل زجرها قائلاً (انت أصلاً من وين جبت رقم التلفون دا؟؟..تاني ما تتصلي هنا).. طيب نلقاك وين يا سعادتك عشان نشتكي ليك من توقف القطار؟؟.. وبالتالي توقف الحياة؟؟ ذلك انه عبر القطار تصل المواد التموينية.. والكثير من متطلبات الحياة هناك.
هل نحلل أسباب توقف القطار بطريقة علمية؟ كان قطار الاكسبريس يسافر مرتين في الأسبوع حاملاً الناس وامتعتهم المصاحبة.. حركته كانت متوسطة الى سريعة.. وكانت هناك قطارات مختصة للبضائع وتوزيع المياه تسير الهوينى وتتوقف عند كل محطة لكي تسقي أهلها ومن ثم تعاود المسير.. قوووم إيه يا حزب هدم السكة حديد؟؟ خطرت لهم فكرة عبقرية.. ألا وهي دمج قطار الركاب مع قطر الخدمات فصار القطار يصل بعد طلوع روح.. فهجره الكثيرون وتوجهوا الى البصات.. وبالتالي صار القطار يرجع خالياً.. لم يحاول أحد البحث عن أسباب عزوف البعض عن ركوب القطار وقد الخيار الأول في السفر.. فقط اكتفوا بهذه العبارة (برجع فاضي).. .سؤال يطرح نفسه بكل جدية.. من المستفيد المباشر من هدم السكة حديد؟؟

في أوربا والدول المتقدمة هناك قطار اسمه قطار الليل.. العربات فيه عبارة عن عربات بها أسرة معدة للنوم.. يسافر المسافات الطويلة وبفضله اولئك الذين يعملون نهاراً ويودون الوصول باكراً الى وجهتهم.. قطار الليل عبارة عن عربات نوم متراصة مع بعضها البعض.. هل يمكن أن تطور السكة حديد هذه الفكرة وتصبح قطارات المسافات الطويلة هكذا؟؟ تفصل عنها قطر الموية والخدمات؟؟ اذ لا يزال هناك من يفضل القطار فهو الوسيلة الأكثر أماناً والأرخص سعراً.. ولا زلنا نحن نأمل في أن تصحو السكة حديد من سباتها الذي طال.

قيل لي كثيراً.. أنني (أنفخ في قربة مقدودة).. بل كتبها لي بعضهم صراحة (إنك تؤذنين في مالطة).. لكنني لن أتوقف عن رمي بذور الزهور من نافذتي.. علها تصادف مطراً يوماً ما.. فتخرج لنا قمحاً ووعداً وتمني.. ووويا وادي حلفا (باكر بجيك قاطع مسافات العشم).

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة