مقالات متنوعة

جبرونا وشردونا


* كثيراً ما يسهب أئمة المساجد في خطبة الجمعة في الحديث عن الفساد بشكل معمم، وفساد الحكومة في قضايا المال العام، بشكل خاص، وقليل من الأئمة والخطباء من يخرج علينا بفتوى على شاكلة (حرمة الخروج على الحاكم).

* وفي خطبة الجمعة الماضية في أحد مساجد الخرطوم جنوب، أسهب الإمام في سرد نماذج عديدة للفساد أثارت حفيظة المصلين الذين فضلوا الخروج (الآمن) من المسجد عقب هذه الخطبة العصماء والتي ينتظرها معظم السودانيين لينقضوا على الشارع.

* الخطبة المعنية تركزت حول فساد ما يسمى بالإيجارات الحكومية، وكيف أن الحكومة تتفنن في انتقاء أفخم المباني وفي أفخم الأحياء بالعاصمة لتكون مقارا تدير أعمالها من خلالها، في الوقت الذي تمتلئ فيه العاصمة بالمباني الحكومية التي لا يكلف البقاء بها الحكومة مليما واحدا، ولكنها (ليست على مستوى الوزراء).

* إهدار المال العام لم يعد من الأمور التي يعمل لها المسؤولين أي حساب، لأنه ببساطة تم إصدار قانون لها وله مادة تسمى (التحلل)، يلجأ إليها أصحاب الحاجة عندما يجدوا أنفسهم ومن يقف خلفهم في عنق الزجاجة.

* ودلائل إهدار المال العام كثيرة جدا ولا تحتاج منا لكثر اجتهاد، وأخصص اليوم إيجار المقار الحكومية من وزارات ومؤسسات تابعة لها.

* مليارات تبدد يوميا من قبل بعض موظفي الدولة وأقاربهم وأصهارهم، تحت مسميات إيجار وتوظيف وسمسرة وفي النهاية الجيب واحد.

* تحويل الوزارات الحكومية من مقارها الأساسية لمقار جديدة، في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة، لا يعني سوى (البذخ) في أبشع صوره، واستغلال السلطة وتغليب المصلحة الشخصية على العامة من قبل القائمين على الأمر.

* إذ لا يعقل أن يعاني المواطن الامرين ولا يملك قوت يومه ويشرد الابناء من المدارس والجامعات بسبب الرسوم اما الذين تخرجوا فقد لا يجدوا فرصة للعمل، بينما السادة الوزراء يتنقلون من أحياء نمرة ۲ للمنشية لشارع الستين وكافوري، يقدلون في موكيت (للركب) تحت تكييف تتجمد له الأطراف، يتناولون أشهى الوجبات ويتجولون
بأرقى الفارهات، لم تطأ أقدامهم أحياء مايو وزقلونا وجبرونا وشردونا وجردونا، ليروا حجم الفارق بين النعيم الذي ينعمون به، والجحيم الذي يعيشه المواطن.

* وحتى لا يقال إننا (مبالغون) فلا بد من التذكير بأن مبنى وزارة الشباب والرياضة يقع شرق شارع كاترينا بالخرطوم ۲، بينما يقع مبنى صندوق دعم الأنشطة الشبابية والرياضية بمبنى فاخر جداً بحي الرياض بالخرطوم، ووزارة الإرشاد والأوقاف بحي الطائف في شارع الستين بالخرطوم، وكذا الحال بعدد من المؤسسات مثل جياد للصناعات
وغيرها، ومعلوم أن سعر المتر المربع في شارع الستين يفوق ال ۲٥ مليون جنيها فما بالك بالإيجار، وهذه على سبيل المثال لا الحصر.

* وأتمنى أن تكون حكومة الولاية صادقة لتكذَب ادعاءاتنا وبالمستندات حتى لا نكون جنينا عليها إفكاً وعلى المواطن بالصدمة القاضية بعد أن كثرت عليه الصدمات من هول الأرقام الفلكية التي تبتلعها الحكومة يومياً في جوفها تحت مسميات وهمية.

* الفساد بأشكاله المختلفة لا يكمن في الإيجارات فقط، ولكنه يكمن أيضاً في تعيينات سياسية يتم الصرف عليها من المال العام، في الوقت الذي يقبع مستحقوها في الشارع العام.

* هذا هو السودان الموبوء بحكومة فاقدة لأهم مقومات استمراريتها، ورغم ذلك فهي (قابضة على المناصب وعاضة عليها بالنواجذ) ولا سبيل للفكاك منها إلا بقوة الإرادة والعزيمة للشعب السوداني إن كان راغباً حقاً في التغيير.

بلاحدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة