مقالات متنوعة

غضبة الجرافة


* ضرب (الجرافة) يوم أمس الأول أكبر وأروع مثال في قوة العزيمة والدفاع عن الأرض والتصدي لكافة أشكال القمع والسرقة والابتزاز، مقدمين درساً مجانياً في كيفية انتزاع والمحافظة على الحقوق، حيث خرج أهالي الجريف غرب يوم السبت شاهرين سلاحهم الوحيد دفاعاً عن أرضهم التي يتم التحرش بها باستمرار من قبل مستثمرين وسماسرة
الأراضي من منسوبي المؤتمر الوطني.

* فقد طرحنا قبل أقل من أسبوع في هذه المساحة وعلى مدى يومين تفاصيل أطماع نافذين في أراضي الجريف غرب وتحديداً تجفيف مدرسة عليش الثانوية بنات بقرار من وزير التربية والتعليم، بحجج واهية وأسباب لا يقبلها المنطق، وكان الرد السريع والعاجل من أهالي الجريف بالرد عملياً على الوزير وسماسرة الأراضي (بنفير سد الذرائع)، وبالفعل عكف أهالي الجريف من جميع الحارات شيباً وشباباً للعمل من العاشرة صباح وحتى منتصف الليل مطبقين مقولة: (تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً، وإذا افترقن تكسرت آحاداً)، ليفاجئوا الوزير بما لم يتوقعه، ويقمعوا أطماع المرتزقة بعمل وعزيمة ليرضخ الوزير مجبراً لرغبة الأهالي بالتنازل عن قرار ترحيل المدرسة وبالتالي فشل مخطط تهجير الطالبات.

* قصدت من هذه المقدمة أن أشير الى سلاح المواطنين في وجه سمسارة المؤتمر الوطني ممن يسمون أنفسهم تدليلاً (مستثمرين)، بأن سلاح الوحدة والعزيمة قادر على كسر شوكة المتطاولين على حقوق الوطن والمواطن.

* فهذا النظام يناقض نفسه بنفسه، فهو تارة يمتدح في ثروات السودان الطبيعية وكأنها أمر جديد عليه، وفي نفس الوقت يعمل على انتزاع مساحاته وأراضيه وتهجير مواطنيه تحت ذرائع الاستثمار.

* هذا النظام لم يحسن استخدام ثروات البلاد الاستخدام الأمثل، بل أضاعها متعمداً ليعود لاستخدامها فقط ككرت رابح عند الحاجة، فأموال النفط غادرت الى غير رجعة ولم يستفد منها الشعب السوداني، والحجة الدائمة هي انفصال الجنوب، و(العقوبات الأمريكية).

* مشاريع التنمية خاصة الزراعي منها أيضاً ذهبت بلا عودة، والتي كانت تمثل الاكتفاء الذاتي للمواطن السوداني في الجانب الغذائي، بما فيها مزارع الجريف غرب التي يريدون تجفيفها الآن لتصبح غابات أسمنتية لأصحاب الحظوة، وكورنيشاً على النيل الأزرق يدر على البعض المليارات.

* الشعب السوداني مطلوب منه أخذ العظة من أهالي الجريف غرب، وقبلها الجريف شرق، بالتكاتف والتوحد لمطالبة النظام بحقوقه المسلوبة، ففي الوحدة انتصار، وفي التكاتف إرهاب لانتهازيي الاستثمار العشوائي، وما قام به أهالي الجريف غرب من ملحمة بطولية يفترض أن يُدرَّس كمادة للتربية الوطنية التي حذفتها الإنقاذ من المنهج الدراسي.

* الشعب السوداني لم يقل للنظام اعدم كل ما هو جميل ومفيد في هذا الوطن ثم تباكى عليه، ولم يقل للنظام انشر الفساد واصمت على الفاسدين، ولم يقل له ساهم في إفقاره وتجويعه، وغض الطرف عن المرض والجوع والأمية، لتأتي من بعد كل ذلك لاغتصاب أرضه وتهجيره منها لتعالج إشكالاتك المادية، وتسد بها النقص في خزائنك، ويكفي المواطن ما تفرضونه عليه من جبايات عتب ونفايات ودمغات وهمية.

* الشعب يعلم تماماً أن بلاده بها من المياه والأراضي الخصبة ما يكفيها ويكفي كل القارة، ويعي تماماً معنى الاستثمار الحقيقي الموارد الطبيعية والبشرية، ويتصدى تماماً لكافة أشكال الاستثمار العشوائي الذي يعود بالفائدة لصالح (جيوب نافذة)، وقبل ذلك على النظام أن يعي تماماً أن ما يفعله بالمواطن من قهر وما يفرضه من قرارات ستتكسر مع أول هبَّة غضب من المواطنين، فإياكم وغضبة الحليم.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة