جمع السلاح مرة أخرى
خلال زيارة سريعة وخاطفة إلى ولاية جنوب دارفور منتصف الأسبوع الماضي حتى نهايته، زرنا فيها محلية شطاية التي تناولناها في مقال سابق، تسنى لنا بنيالا حضور لقاءات رسمية وغير رسمية، منها لقاء صحفي مطول لوالي الولاية المهندس آدم الفكي،
ومؤتمر صحفي لرئيس وأعضاء لجنة الأمن الولائية، واستمعنا لوجهات نظر وآراء وتنويرات من قادة الجيش والشرطة وجهاز الأمن وبعض الرموز من الزعامات الأهلية والقيادات السياسية، نقول إن لدينا إلماماً يكفي لتقييم مدى نجاح حملة جمع السلاح الحالية وتحقيقها لأهدافها، بجانب معرفة قليلة ربما تكفي أيضاً لتقدير حجم التعقيدات الموجودة على الأرض لا بد من مراعاتها ومعالجة مضاعفاتها من أجل حملة شاملة وكاملة لجمع السلاح.
> في جنوب دارفور على الأقل، استعدت كل مؤسسات الدولة وتوفرت إرادة سياسية قوية عبر عنها الوالي آدم الفكي، وتهيأت لجنة الأمن ومكوناتها العسكرية والشرطية والأمنية لمجابهة مطلوب هذه الحملة، وتم وضع خطة ولائية محكمة من شأنها تحقيق نجاح كبير لو سارت الأمور كما هو مخطط لها دون أية محبطات أو عوامل أخرى غير منظورة أو مرئية، فعلى مستوى التخطيط والترتبيات والتدابير الحكومية يمكن أن نطمئن (نوعا ما) إلى أن جمع السلاح قد يتيسر بنسب مئوية مقبولة، إذا تزامنت الإجراءات مع بعضها البعض وتم اتخاذ إجراءات في جوانب متعلقة بالعملية وتسهم بشكل كبير في تقليل حجم ونوع السلاح، مثل ضبط الحدود الطويلة مع دولة جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا، وهي منافذ تسرب السلاح ومصادره الرئيسة.
> لكن ثمة تعقيدات على الأرض يجب أن تنتبه إليها اللجنة العليا وتضع لها حلولاً فورية قبل أن تستفحل وتجدها عقبة أمامها يصعب تخطيها وتجاوزها، فسلاح الأفراد من السهل تتبعه وجمعه بتوفر المعلومات حوله وتعاون الإدارة الأهلية والسلطات المحلية ولجان أمن المحليات ومستويات الحكم المحلي، لكن سلاح المجموعات أو سلاح القبائل خاصة القبائل المتقاتلة وهو موجود عند (العُقداء) وهم قادة المجموعات القبلية المسلحة أو زعماء مليشيات القبائل، وهؤلاء لا علاقة لهم بالتكوينات العسكرية الرسمية مثل الدعم السريع او الدفاع الشعبي او حرس الحدود، وهناك علاقات متشابكة بين هؤلاء العقداء وقادة المجموعات المسلحة وقبائلهم وزعماء القبائل ولدى بعضهم دور آخر لعبوه في حفظ الأمن والاستقرار في فترات سابقة وكسبوا شبه شرعية بتعامل الدولة معهم منذ احداث داؤود بولاد مطلع التسعينيات وخلال أزمة دارفور الحالية، حتى تم طرد التمرد وحركاته بالكامل من كل الولايات الخمس، فكيف سيتم التعامل مع هذا السلاح لدى القبائل وقادة مجموعاتها المقاتلة ..؟ صيح أنه ليس مستحيلاً لكنه صعب للغاية في ظل الظروف الراهنة ويحتاج إلى حكمة وتعقل كبيرين لأن فترة الشهرين المحددة لجمع السلاح ليست كافية.
> الشيء الثاني مع وجود حماس كبير وتأييد كاسح من المواطنين لجمع السلاح، إلا أن الآراء تختلف في الكيفية والحزم الكافي في جمعه، فهناك خشية من أن تكون القوات المنوط بها هذا العمل غير كافية من ناحية العدد والفاعلية والإمكانات المتوفرة وخاصة في فصل الخريف وانقطاع الطرق والمناطق عن بعضها، ونسبة لاتساع الرقعة الجغرافية وانتشار السلاح في كل مكان وكل قرية، ويقاوم رافضو تسليم سلاحهم هذه الإجراءات بشتى السبل المتاحة أمامهم، منها وجود مخابئ طبيعية آمنة للسلاح في الجبال والوديان والغابات ومناطق نائية، ويتخذ هؤلاء ذرائع شتى تتعلق بالعقل الجمعي وثقافة القبائل منها، كيفية مقاومة النهب المسلح واعتداءات قطاع الطرق وتسيير (الفزع ) ورد الأموال المنهوبة، ويتعللون بأن الدولة طيلة الأربعين سنة الماضية لم تبتدع نظاماً او طرقاً فاعلة في رد الإبل والأبقار والأموال المنهوبة بواسطة قطاع الطرق وعصابات النهب المسلح، وإن وجد تحرك حكومي فهو بطيء بطبيعة عمل الدولة وبيروقراطية نظامها من فتح البلاغات ثم تجهيز القوات وجمع المعلومات قبل التحرك، وهذا يتناقض مع ثقافة الفزع القبلي وسرعة إنجازه.
> فالجدل الذي يدور الآن ليس حول العملية والحملة نفسها، فهي محل تأييد وتتفق مع رغبة المواطنين في رؤية ولاياتهم خالية من السلاح إلا لدى القوات النظامية، إنما جدل حول أسهل المسالك والطرق لتخليص دارفور كلها من السلاح، فالأسئلة المطروحة تستوجب وضع خطط للإعلام والتوعية نابعة من الحاجة المحلية، ويقوم بها الإعلام المحلي والآلة الشعبية الفاعلة في إقناع الناس، بالإضافة إلى تواصل مستمر للسلطة على مستواها الاتحادي والولائي والمحلي مع المواطنين، وشرح أبعاد هذه الحملة الضخمة غير المسبوقة في تاريخ دارفور.
> أما قضية جمع السيارات اللاندكروزر (البيك آب) ذات الدفع الرباعي وحصر استخدامها فقط لدى القوات النظامية وتعويض أصحابها بدفع مبالغ مالية لهم، فهي تحتاج إلى زيادة الوعي ومعلومات كاملة حول مرامي الهدف من جمعها حتى يسلم أصحاب السيارات ما لديهم طواعية دون الحاجة إلى القوة والإرغام، لكن السؤال هل في ظل الظروف الراهنة تستطيع الحكومة الاتحادية خلال شهرين توفير مالغ مالية لدفعها لأصحاب السيارات إذا علمنا أن جنوب دارفور وحدها بها أكثر من (761) سيارة، فما بالك بالولايات الأخرى ثم كردفان.
> موضوع السيارات يجب التدرج فيه والتساهل في تطبيقه لما فيه من عقبات قد يكون ضررها أكثر من نفعها .
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة