مقالات متنوعة

يا للكسوف ..

تابع الملايين كسوف الشمس الكلي .. والذي احتجبت فيه الشمس تماماً.. حبس العالم أنفاسه وهو يراقب القمر الذي وقف حائلاً بين الأرض واشعة الشمس .. ساد الظلام برهة .. لبس الجميع نظارات متخصصة ..وعاشوا لحظات لا تتكرر في حياة الفرد.

ابني الصغير وبعد أن قرأ تغريدات متابعي الكسوف .. سألني (ليه الكسوف ما مر بالسودان ؟).. شرحت كلاماً مطولاً عن كروية الأرض وخطوط الطول والعرض وأكملته بالحظ والقسمة والذي منو .. هز رأسه يائساً.. وتمتم وهو يبتعد (يعني حتى الشمس دي ما عايزة تنكسف عندنا؟؟).. هي يا ولدي مخير الله في حكمه .. لكن الشمس كان ما أخاف الكضب تشيل و(تنكسف) لينا كل يوم.. وكان مغالطنا وما مصدقنا.. اسأل (العنبة). تطلع الشمس كل يوم .. ولولا طلتها علينا.. لما تبخرت هذه البرك الراكدة التي تطربنا فيها الضفادع بموسيقاها العذبة كل يوم .. ونتفاعل معها نحن بالتصفيق لقتل الناموس .. ورفيق الدرب والسلاح .. طيب الذكر (الذباب).. لاحظ ان الشمس تؤدي هذه الخدمات مجاناً لوجه الله.. لا تنتظر منا رسوماً عليها.. والمضحك ان الذين يتولون تحصيل الرسوم.. هم المنوط بهم تجفيف هذه البرك والمستنقعات ..

ترى ماذا تقول الشمس حين تراهم يفعلون ذلك ؟؟إنها تقول (يا للكسوف). وزارة الري .. تحذر من ارتفاع منسوب النيل .. وتدعو المواطنين لأخذ الحيطة والحذر …ما قصرت والله وزارة الري .. عملت العليها ..نحن المواطنين الله يخلي لينا الشمس …التي لن تنتظر من المحليات ان تقوم بفتح الخيران وعمل مجاري مؤقتة كتلك التي كتب عنها الطيب صالح .. مجرى موازٍ للنيل يتم تنظيفه كل عام ليستوعب مياه الفيضان الزائدة وتتم الاستفادة منه في الزراعة..

الشمس ستقوم بتجفيف المياه .. وتبتسم ابتسامة خجلى وهي تتابع أصحاب الوجعة ..وتهمس لنفسها (يا للكسوف). تطل الشمس علينا كل يوم ..ولم نستطع حتى الآن توليد الطاقة الشمسية بصورة كافية ..تجد بلدان اوربا .. والتي شمسها مثل (لمبة التلاجة).. تنير بالطاقة الشمسية كل الطرق والمرافق العامة.. وتتباهى بذلك ..اما نحن فنترك للشمس تجفيف البرك ..والمستنقعات ..وصهر النفايات المتروكة عرضة لها.. فتتحسر الشمس قائلة: (يا للكسوف ).. الشمس يا بني كل يوم (تنكسف).. لذلك تجدنا لا نعد الكسوف حدثاً في حد ذاته، بل نستغرب أفعال أولئك (الما عندهم شغلة).. كسوف الشمس عااااادي عندنا.. لكننا في انتظار البعض أن يطاله بعض إحساس الشمس .. و(ينكسف) من أفعاله وتقصيره في أداء عمله.. حتى ذلك الوقت، خلينا نقول (يا للكسوف)..

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة