الخرطوم تستقبل نائب الرئيس الصيني
قبل بضعة أسابييع كنا في جمهورية الصين الشعبية الصديقة، خلال الزيارة سنحت لنا سوانح متعددة لمعرفة ما الذي يجري في رواق العلاقة بين السودان والصين، وقد كانت الترتيبات تجري لزيارة السيد / جان قاي لي ، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني للخرطوم،
ولم تغفل عن أعيننا وأسماعنا كصحافيين، حجم الاهتمام الصيني الكبير ونوع تركيز السوداني الأكبر على هذه الزيارة التي ستنقل العلاقة بين البلدين الصديقين والشريكين إلى مرحلة جديدة تبدأ بتنفيذ اتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي تمت بين البلدين، ووقعتها القيادتان في سبتمبر 2015 إبان زيارة الرئيس البشير الى الصين، وزيارة بهذه الأهمية وبدأت بوصول السيد نائب الرئيس الصيني أم ، لابد أن تنطوي على جوانب مفصلية ومهمة في مسار علاقات السودان والصين في عالم متغير تجتاحه تحولات إقليمية وعالمية تتطلب تنسيقاً وتفاهماً عالٍ المستوى بين الجانبين .
اذا كانت العلاقة بين البلدين قد أثمرت نتائجها الإيجابية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، فإن الشراكة الإستراتيجية التي أبرم اتفاقها وبدأت خطواتها العملية ستقود الى علاقة أعمق وأكبر وذات منافع أوسع ومصالح أشمل على الجانبين ، وينظر كثيرون في إفريقيا والعالم الى أن علاقة السودان بالصين صارت أنموذجاً للتعاون الفعال والاستثمار الناجح والشركة الاقتصادية والتفاهم السياسي في المحافل الدولية بما لا يوجد مثيل او ضريب مثله في عالم اليوم، لما وصلت إليه هذه العلاقات من تطور وارتقاء خاصة في ظل الراهن الحالي والتطورات الجديدة في السودان ومبادرة الرئيس الصيني (مبادرة الحزام الطريق) .
تمثل زيارة السيد/ تشانغ قاي لي للخرطوم واستقباله استقبالاً حافلاً من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وحكومة السودان ، خطوة كبيرة في سبيل تعزيز العلاقات ومواصلة الجهود الإيجابية في الدفع بها الى آفاق جديدة لمصلحة الشعبين الصديقين ، وصلاً للعلاقة التاريخية القديمة بين البلدين والتي سارت دون أي انقطاع او توترات منذ العام 1957م، وما يربط السودان بالصين اليوم من علائق وتعاون مثمر هو استجابة عميقة لرغبة الشعبين في التواصل ، وتبادل الخبرات والمنافع والمصالح، فالصين لاعب دولي كبير في الميدان العالمي وثاني أكبر اقتصاد عالمي باحتياطيات نقدية تفوق3,7 تريليون دولار أمريكي، والسودان دولة ذات تأثير كبير في محيطها الإفريقي والعربي ومع دول العالم الثالث والكتل الأممية التي ترفض الهيمنة والظلم والقهر والاستعلاء.
بين السودان والصين صلات قوية ومتينة تعود الى عصور قديمة قبل الميلاد وهي مجال للباحثين والمؤرخين والأكاديميين للنظر فيه، أما اليوم في عهدنا الحالي، فتشهد هذه العلاقة تنامياً مضطرداً في مختلف المجالات، وستعزز الزيارة الحالية لنائب رئيس مجلس الدولة الصيني فرص التعاون واستكمال بقية مجالاته، بتوقيع الاتفاقيات وبحث ما تم الاتفاق عليه في زيارة السيد الرئيس عمر البشير للصين في 2015م، وتجذير مفهوم الشراكة الإستراتيجية ، فالصين اليوم ليست شريكاً اقتصادياً وحليفاً دولياً للسودان وحسب، فالترابط الوثيق وكيفية العمل المشترك في استغلال الموارد الطبيعية الضخمة وتطوير الصناعة والزراعة والتعدين والطاقة والسكك الحديدية والطرق ومشروعات البني التحتية ونقل التقانة الحديثة، هو أساس بناء هذه الشراكة التي ستكون لخير الشعبين وشعوب القارة الإفريقية المستفيدين من وجود الصين بينهم وتعاونها معهم ودخولها عبر البوابة السودانية الى أقطار القارة ، وبناء صلات راسخة مع شعوبها ..
من خلال المباحثات الرسمية التي جرت أمس والكلمات المتبادلة من النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء القومي وضيفه الكبير، يتضح أن هناك عزيمة وإصرار ورغبة كبيرة في تذليل كل العقبات التي كانت تعترض مسار العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ، فهو الملف الأهم على طاولة البحث، حيث لا يشكل الملف السياسي هماً كبيراً، لأن التفاهم فيه والتنسيق المشترك وصل مرحلة متقدمة لا تحتاج الى كثير توقف او مراجعة، فالصين هي الحليف الدولي الأول للسودان، وظلت تقف مع قضاياه وتدافع عنه في المحافل الدولية وداخل مجلس الأمن الدولي، حرصاً منها على سلامة أراضيه وترابه الوطني وعلى السلام والأمن والاستقرار، ولم تتباطأ يوماً او تتأخر او تتخلف عن موعدها مع السودان في كل أزماته وقضاياه الدولية ، وكانت خير عون للسودان وفي أوقات سابقة عانى فيها بلدنا من الحصار الاقتصادي والسياسي والمقاطعة والعقوبات الأمريكية وما فعلته القيادة الصينية وحكومة الصين مع السودان يؤكد أن الصديق وقت الضيق وأنه لا يوجد سند أفضل من وقفة الأصدقاء وذودهم عنك، والسودان بدوره ظل يقف موقفاً ثابتاً لا تزحزح عنه ولا تراجع مع كل قضايا الصين ووحدة أراضيها ومواجهتها للمؤامرات الدولية عليها وحشر الأنوف في شؤونها الخاصة، وخاصة قضاياها الداخلية، كما أن السودان يساندها في كل قضاياها وحقوقها ويثمِّن دورها الدولي والإقليمي في مجالها الحيوي بالقارة الآسيوية وكامل حقوقها في بحارها والممرات المائية الدولية .
اذا كانت هناك فرص كبيرة للانفتاح والتعاون بين الطرفين، فإن الزيارة هذه ستفتح آفاقاً جديدة وتمد جسوراً للتواصل الفعال والبنَّاء، وتبادل الآراء والأفكار من أجل النهضة الشاملة وتكامل الموارد والاستفادة منها وبدء تطبيق اتفاقيات الشراكة الإستراتيجية والانطلاق في مجالات التعاون كافة، ومذكرة التفاهم الإطارية حول مبادرة الحزام والطريق والفوز المشترك، فهناك أمور كثيرة تنتظر قوة الدفع الكبيرة التي توفرها هذه الزيارة منها اتفاقيات العون الفني والتدريب وتأهيل الكوادر البشرية ومتابعة ملف الاستثمارات الصينية والدعم والقروض وإزاحة أية صخور ناتئة في عبور العلاقة الى درجاتها العليا ومستوها الرفيع .. مرحباً بالسيد جان قاي لو في بلده الثاني السودان .. وسيجد الخرطوم تفتح ذراعيها مرحبة به والشعب السوداني كله يلهج بالشكر والثناء للصين ولما قدمته لشعبنا خلال ستين عاماً من عمر هذه العلاقات .. مرحباً بالضيف الكبير .
الصادق الرزيقي