تحقيقات وتقارير

“السراج في الخرطوم” رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبي يصل إلى السودان بعد زيارة نظيره التشادي.. فهل تفلح في ترتيب أوضاع الصحراء؟

إطلالة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبي فائز السراج في زيارته إلى الخرطوم اليوم (الأحد)، تمنح العلاقة بين البلدين قوة دفع جديدة لمواجهة التحديات التي تعاني منها الصحراء الفاصلة بين الخرطوم وطرابلس، وإن كانت التساؤلات المهمة تتدافع بحثاً عن إجابات حول كيف للضيف الزائر أن يحافظ على أي اتفاق يصل إليه مع الحكومة السودانية في ظل ما تشهده ليبيا من انقسام حاد بين ثلاث حكومات كلها تدعي الشرعية، في شرقها حكومة مجلس النواب المؤقتة في طبرق والتي تحاول أن تخلق لها إطاراً شرعياً، وكذا حكومة الإنقاذ التي تتأرجح ما بين التلاشي والاستمرار متخذة من طرابلس العاصمة مقرا لها. وفي غربها وبعض أطرافها حكومة يقودها السراج المعين في أكتوبر 2015، ومعترف بها دوليا مدعومة من الأمم المتحدة، وجاءت عبر وفاق وطني ليس كاملا، وتسعى هي الأخرى لبسط جلبابها وإحكام السيطرة. ويحسب لحكومة السراج أنها الأفضل علاقة مع حكومة الخرطوم ولم تجنح إلى إثارة المشكلات منذ تشكلها، ولكن ما يجب التذكير به هنا أن السراج اضطر في مارس الماضي لتأجيل زيارة كانت مزمعة إلى السودان، بسبب (الأوضاع الأمنية) في بلاده. يقول د.عبده مختار أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، لـ(اليوم التالي)، إن الإشكالية الأكبر تكمن في السؤال بشأن: ماذا ستضيف هذه الشخصية في الوقت الراهن وهل تمثل كل الليبيين؟، ويسترسل عبده في التوضيح بتأكيده أن الواقع الآن على الحدود وهي المعنية بالدرجة الأولى في أي اتفاق بين الطرفين يسيطر عليه خليفة حفتر، والأخير علاقته ليست جيدة مع السودان. ويضيف عبده: “وفقاً لهذه فإن الزيارة ليست لها مردود كبير في تقديري”.
وبغض النظر عن كل هذه التجاذبات في جسد دولة ليبيا بين الفرقاء هناك، إلا أن زيارة السراج إلى الخرطوم ينتظر منها أن تحقق الكثير من الفوائد على صعيد علاقة البلدين، ولو من باب التفاؤل وأقلها أن تزيل التوتر والاحتقان بين الخرطوم وطرابلس والذي يحمل معه تخوفات شتى من أن تصل هذه العلاقة إلى القطعية الدبلوماسية، ويشير د.عبده مختار إلى أن النظر إلى الزيارة من زاوية التفاؤل مهم لأن هناك أملا أن تستقر ليبيا تحت هذه الحكومة التي يقودها السراج، وهذا أمر مهم للسودان إن تحقق على المدى الاستراتيجي، والشاهد أنه منذ أن أطيح بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي لم تستقر العلاقة في إطارها الطبيعي وظلت متأرجحة، فتلك الحكومة المذكورة آنفة ترمي تجاه الخرطوم بعض التهم التي تنفيها الأخيرة وتردها بتهمة أخرى، فأكثر التهم إشانة، تلك التي دفعها بها الجيش الليبي تجاه الخرطوم واتهمها بإيواء جماعات مناوئة لليبيا، وهو من نفته الحكومة، التي تتهم طرابلس بأنها تساهم في رواج تجارة البشر كما عبر عن ذلك إسماعيل عمر تيراب، نائب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، الذي قال إن انهيار الأوضاع الأمنية في ليبيا أدى لانفتاح النشاط الإجرامي وانتشار عصابات الاتجار بالبشر وترويج المخدرات في السودان، وكانت الحكومة اتهمت في أبريل الماضي ليبيا بدعم حركات التمرد في دارفور ومساعدتها على إعادة شن هجماتها على مناطق واسعة في الإقليم. وقبل ذلك اتخذت حكومة طبرق المؤقتة التي تتحالف مع خليفة حفتر قرارا بإغلاق القنصلية السودانية في الكفرة في نهاية يوليو الماضي بدعوى أن الموظفين في القنصلية يقومون بممارسات تتنافى مع الوضعية التي حددتها الاتفاقيات الدولية لموظفي البعثات الدبلوماسية والقنصليات التي تصب في خانة المساس بالأمن القومي الليبي.
والنظر إلى طائرة السراج وهي تحط في مدرج مطار الخرطوم اليوم، ينبغي أن يقرن بطائرة باهيمي باداكي البير رئيس وزراء تشاد، التي غادرت مطار الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي بعد أن أمضى الرجل ساعات في معية الحكومة، في زيارة وصفت بالمهمة في صعيد ملف السودان وجيرانه، فطرابلس وإنجمينا في ميزان واحد بالنسبة للخرطوم، وإن كان المكشوف من الملفات التي تمت مناقشتها بين الوزير التشادي والحكومة السودانية ذات طابع اقتصادي وتدعيم التعاون المشترك إلا أن الملف الأمني فيما يبدو هو الذي شغل بال الدولتين، وكذا هو ما سيشغل بال السراج ونظرائه في السودان، فالملفات التي تحتاج إلى حسم في حدود البلدان الثلاثة كثيرة ومتشعبة أولها ملف دعم الحركات المتمردة والجماعات المناوئة للحكومة هنا وهناك، وهذا ملف لا ينتهي إلى المطالبة بإبعاد الأفراد ولكنه يتمدد إلى إحداث معالجات جذرية تضمن الاستقرار على الحدود، وهنا فإن الخرطوم من المؤكد ستضع ملف جمع السلاح على طاوية رجل ليبيا مثلما فعلت بالطبع مع الوزير التشادي، فمن المعروف أن السلاح الذي يتبعثر في دارفور منبعه. أما ليبيا أو تشاد فنتيجة للاضطرابات التي شهدتها تلك الدولتين في السابق وارتباطها بدارفور، وبالتالي فإن جمع السلاح وتجفيفه يتطلب تعاون الجارتين على حد سواء، سيما في ظل توقعات بأن تواجه العملية صعوبات وتحديات داخلية ربما تتطور إلى حدوث مقاومة مثلما تشير المعطيات من على صعيد موسى هلال زعيم المحاميد في الحدود الثلاثية.

الخرطوم – آدم محمد أحمد
اليوم التالي