رأي ومقالات

السودان.. جدل التطبيع يكشف عن كرزاي جديد

لم تكن دعوة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار السوداني للتطبيع مع إسرائيل، الواقعة الأولى ولا الأخيرة التي تكشف الانفصام الكبير بين توجهات الحكومة وقناعات الشعب.. دعوة الوزير مبارك الفاضل المهدي التي جاءت عبر أثير قناة سودانية مقرها العاصمة الخرطوم وجدت ردود فعل شعبية غاضبة، بينما استعصمت الحكومة بهالة من الغموض تجاه إفادات الرجل المثيرة والمستهجنة.. صحيح أن الرجل ليس عضوا في حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الرئيس عمر البشير بل له تاريخ مثير معه، إلا أن وجوده في منصب رفيع في الحكومة يجعل بالضرورة تصريحاته معبرة بصورة أو بأخرى عن توجهات الحكومة.

الوزير مبارك سياسي مثير للجدل استوعبته حكومة البشير في الحكومة الحالية وهو لا يتمتع بأي تمثيل شعبي ويكاد لا يمثل إلا نفسه.. ومن المفارقات أن تصريحاته المؤيدة للتطبيع مع إسرائيل تأتي متزامنة مع الذكرى الـ19 لضرب الولايات المتحدة الأمريكية مصنع الشفاء للأدوية والذي اتهم فيه ذات الوزير الذي كان معارضا حينذاك، بتحريض واشنطن على ضربه باعتباره مصنعا للأسلحة الكيماوية وكشف صاحب المصنع وهو رجل أعمال معروف أن أحد الموظفين بدرجة رفيعة بالمصنع وشى بمعلومات كاذبة عن طريق وسيط رجح أن يكون مبارك الفاضل، بأن مصنع الشفاء يعمل في تصنيع الأسلحة الكيميائية..

كما أشارت تقارير أمريكية شبه رسمية إلى أن المصنع قصف خطأ وبناءً على معلومات استخبارية غير صحيحة مستقاة من دوائر سودانية معارضة للنظام في الخرطوم.

عندما انقلب الضابط عمر حسن البشير على حكومة الصادق المهدي وجاء بنظام “الإنقاذ” عام 1989، كان مبارك الفاضل وزيرا للداخلية وأحد أعمدة حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي قبل أن يخرج عليه ويفجر في خصومته، ولجأ الرجل إلى السفارة الليبية في الخرطوم التي ساعدته على الهروب إلى ليبيا من بطش النظام الجديد. فيما بعد لم يحل ذلك دون أن يصبح الرجل مساعدا للرئيس البشير بين عامي 2002 و2004، قبل أن يُقصى مجددا عن القصر الرئاسي ثم يعتقل لاحقا بتهمة التخطيط لعملية تخريبية.

على الرغم من أن هيئة علماء السودان المقربة من النظام قد أعلنت بطلان دعوة الرجل إلى التطبيع مع إسرائيل، وتعارضها مع ثوابت الأمة الإسلامية، إلا أن نفيا قاطعا وصريحا لم يصدر من الحكومة أو حتى حزب المؤتمر الوطني كما جرت العادة في مثل هذه القضايا إذ ظل يصدر بيانات في المناسبات الفلسطينية مؤيدة وداعمة للقضية الفلسطينية.

في المقابل، أعلن رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي رفضه القاطع لتصريحات الفاضل، ووصف دعوته بأنها مضادة للمصلحة والثوابت الوطنية. كما أصدر جناحا آخر لحزب الأمة (القيادة الجماعية) بيانا أدان فيه إفادات الفاضل.

ويبدو أن الفاضل الذي قد يختلف مجددا مع حكومة البشير في أي وقت، يستغل منصبه لتسويق نفسه دوليا وتحديدا أمريكيا، استعدادا لمرحلة قادمة قد يجد فيها دعما أمريكيا ويصبح كرزاي جديدا في السودان خاصة وأنه يعلم تماما أنه يفتقد لأي دعم شعبي.. ويبدو أن الرجل سعيد بدعوة وزير الاتصالات الإسرائيلي له لزيارة إسرائيل، وقال الوزير الإسرائيلي في تغريدة على تويتر: “تسرني استضافته في إسرائيل لدفع عملية سياسية قدما في منطقتنا”.

لا يبدو أن مؤيدي التطبيع في السودان يستندون إلى تعريف واضح لمصالح الأمن القومي السوداني، بقدر ما أنهم يتأبطون نظرة سطحية تقوم على أن التطبيع هو الطريق السهل لكسب ود واشنطن، أو الاعتقاد بضرورة عدم مواجهة إسرائيل لتجنب فتح جبهة صراع مباشر معها، الأمر الذي يتيح فرصة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لزيادة الضغط على السودان ويؤثر ذلك سلبا على رفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم.

ولعل الموقف السوداني المضطرب ناتج عن حالة الضعف والوهن التي أصبحت ملازمة للجامعة العربية. فلم يعد يشعر كثير من الأعضاء بأي قدر من الأمان في بحر العلاقات الدولية المتلاطم، خاصة ما يعتري المنطقة حاليا من محاور تتشكل بسرعة، بينما تقف الجامعة عاجزة عن فعل شيء لحماية أعضائها.

د. ياسر محجوب الحسين
الشرق القطرية

‫4 تعليقات

  1. تحياتي دكتور ياسر
    لا فض فوك .. أحسنت هذا مايراه معظم المثقفين والشعب السوداني الأبي.
    ودعوة السيد مبارك الفاضل للتطبيع مع إسرائل هي صوت نشاذ فالننظر لها في هذا الإطار لا غير؟!!
    ورسالتنا للجميع هي ..
    من يعتقد بأن أزمات السودان سوف تحل وأن ليلة القدر سوف تهبط علينا عبر علاقاتنا مع إسرائيل فهو واهم؟!!

    والدليل أمامنا .. ماذا جنت مصر والأردن بعد إتفاقيات السلام مع إسرائيل غير الذل والهوان والتامر وشرط الإتفاقيات
    تصب في مصلحة إسرائيل.

    حسبنا الله ونعم الوكيل

  2. سذاجة غريبة ان تتوقع بمجرد التطبيع مع اسرائيل ان تنهال على السودان الخيرات ورؤوس الاموال من كل حدب وصوب . انا لا اتوقع ذلك ولكن على الاقل التطبيع يجنب السودان عن الكم الهائل من شرور الاعداء . لانو لا فائدة في التمادي وجعل القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة السودانية . ياخي انتو ما بتفترو ؟؟؟ انتو جنيتو شنو ؟؟؟؟ ياخي جربو طبعو مع اسرائيل وشوفو الفرق وكان ما عجبكم غير التطبيع وارجعو لمربعكم الاول . عالم غريبة .

  3. اي ثوابت تتحدث عنها !!!!؟ هل في سياسة تعترف بموقف ثابت !!؟ , حتى الحروب فيها كر وفر وهدنة , عن اي ثوابت يتحدثون أأمة الظل , وعن مبارك الفاضل اقول هذا راي جميع الذين احرقتهم واعيتهم وخزلتهم الشعارات الكاذبة والتي لا تخدم الواقع في شئ , ياخ فكونا من فكرة الدفاع عن فلسطين والفلسطينين قولوا نحنا مسلمين ولينا الحق في القدس كجميع الديانات السماوية الاخرى من مسيحية ويهودية وما لم تستطع تاخذه بالقوة خذه بالعقل , ماذا جنينا من الحروب في وقتنا هذا بالله عليكم ؟! والمسلم كيس وفطن وليس ب ارهابي ولا عدواني , السودان يتعامل مع البوزين وعبدة الابقار والنار وتطبيع كامل معهم !!!؟ هل سالت نفسك هل في ديننا مثل هذا !!!؟ , ولو رجعته لتاريخنا الاسلامي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونه عند يهودي !!
    ومطالبتنا كمسلمين تكون بحقنا في الصلاة وتعظيم شعائرنا في بيت المقدس اما كأرض فالارض لله .

  4. السودان ما عايز كرازاي يا فالح بعد 28 عاما” من حكمكم !!, كفاية القيادة الموجودة حاليا” تقوم بالمهمة على أكمل وجه :

    – انهيار اقتصادي و عجز في ميزان المدفوعات يوفق اجمالي صادراتنا و تدمير القطاع الصناعي و الزراعي
    – بيع لأكبر أراضي خصبة في مقابل ديون لم يكن يحتاجها السودان لو أستغلت موارده من دون فساد
    – ارتهان سيادتك الوطنية وقراراتك و وزنك الاقليمي لشاب أرعن و عملاء الغرب في الجزيرة العربية
    – فوائد قروض بالمليارات من الدولار تراكمت طوال حكمكم و سيدفع ثمنها ابنائنا لأن السودان يصنف كدولة داعمة للأرهاب بسبب فتحكم لأراضي السودان لكل ارهابيي العالم.
    – الآف الوظائف الوهمية لترضية الزعامات القبلية المتخلفة في المركز والاطراف و عشرات المجالس و المؤسسات التي استنزفت كل موارد الدولة لارضاء من يسكتون على فسادكم و سرقت حق الدواء و التعليم و البناء لكل ابناء السودان
    – الصرف البذخي للاجهزة الامنية و الاستخبارتية و الجماعات المسلحة و المليشيات و دعم احزاب كرتونية و شخصيات فاسدة
    – كده كفاية ولا ازيدك يا (( كرازاي آل ثاني )) .