مبادرة وطنية
طرحت قبل أيام قليلة مبادرة وطنية كبيرة، تتشاركها نقابة المحامين والاتحاد العام للصحافيين، لدعم وتعضيد حملة جمع السلاح من أيدي المواطنين بعد قرار رئاسة الجمهورية بمنع حمل السلاح وشرعنة وتقنين وجوده،
ليكون مقصوراً فقط على القوات النظامية وما ينظمه القانون، وكون أهل الصحافة والحقوقيين يتقدمون هذا العمل الكبير كأبرز كتلتين نقابيتين ومهنيتين تؤثران في الرأي العام والحياة العامة وتلامسان بقوة أوضاع المجتمع اليومية، فإن التفاف بقية منظمات المجتمع المدني والجهات الشعبية واجب وضرورة لازمة لجعل مجتمعنا خالياً من السلاح الذي تسبب في إزهاق آلاف الأرواح في ثماني ولايات في دارفور وكردفان، فالصراع القبلي واشتداد أواره ظل مقروناً بحجم السلاح ونوعه في أيدي المتقاتلين، وظلت الدولة تعمل وتستفرغ الوسع في الاجتهاد لوضع حد لهذه الظاهرة المميتة حتى واتتها هذه الفرصة التاريخية الحاسمة، التي ينبغي أن يعمل من أجلها الجميع لإقرار سلطة القانون وفرض هيبة الدولة وسلطانها وبسط الأمن والاستقرار في كل ربوع البلاد .
> وتقوم المبادرة المشتركة على ركيزتين أساسيتين، هما التوعية والتنوير والتبصير والإرشاد كركيزة تتعلق بالدور الإعلامي وهذا من أهم واجبات الصحافيين والإعلاميين ووسائل الإعلام من صحف وفضائيات وإذاعات ووسائط الإعلام الجديد، بينما الركيزة الثانية تتأسس على الوعي الكافي بالقانون وأطره ومجالاته وتبين الحقوق والواجبات وحث المواطنين على التعامل وفق ما يقره القانون، فإذا لم يفهم المواطن أن حمل السلاح دون تخويل أو تفويض أو مسوغ قانوني جريمة نكراء يحاسب عليها، وأن الخلافات بين الأفراد والجماعات سواء كانت قبائل أو غيرها أمر محله التنازع أمام القضاء، لا بد للدولة أن تجعل من سيادة سلطة القانون هي الأساس وتبني عليها حقوق المواطنة وغيرها من الشؤون التي يتوجب على المجتمع الحقوقي والقانوني أن ينشط فيها بالتبشير والتعريف والإرشاد .
> ومن الضروري إذن ..أن تكون المبادرة المشتركة للصحافيين والمحامين شاملة وجرى تصميمها لتحقيق أهداف واضحة ومحددة ودرست بعناية حتى تؤتي أكلها الطيب ويستفيد منها المجتمع ويداوي جراحاته، ولا يمكن في ظل التطورات السياسية والاجتماعية الجارية في عالم اليوم إغفال وإهمال الدور المتعاظم لمنظمات المجتمع المدني التي باتت تتقدم مؤسسات الدولة في كثير من الجوانب التي تحتاج الى وعي مجتمعي وخطاب يؤثر في العقل الجمعي، ففي السودان وعبر مساراته التاريخية كان المجتمع متقدماً وفاعلاً بما يكفي لتصحيح أوضاعه ومعالجة الاختلالات والعلل التي تصيبه من فترة لأخرى، وحتى في حالات التخلف والتراجع ينهض مجتمعنا من كبواته بفعل تفاعلاته الداخلية ووعيه المتأصل فيه وقيمه الاجتماعية وروح التسامح والرغبة في التعايش السلمي دون احتكاكات أو مرارات وإحن وضغائن.
> وظل مجتمع دارفور وكردفان (أبرز أنموذجين لانتشار السلاح)، متسامحاً ومتجانساً متداخلاً تنتشر فيه الصلات والروابط والوشائج الاجتماعية بالمصاهرات واختلاط الدماء والتزاوج، ويسوده احترام عميق متبادل بين كل المكونات السكانية، لكن بسبب عوامل مختلفة سياسية واجتماعية وأمنية، وبسبب طبيعة أو خصيصة كانت مخبوءة في سلوك بعض القبائل، انتكست هذه الصلات والروابط وبدأت تظهر مظاهر غريبة بانت تجلياتها في درجات العنف القبلي حين تقتتل القبائل في ما بينها، ثم خفوت صوت التسامح وخبو ضوء التعقل والتصالح .
> ولا تستطيع الدولة وحدها مهما اتخذت من إجراءات وتدابير أن تقضي على ظاهرة حمل السلاح إن لم تشترك معها القطاعات الشعبية وتتولى مهامها وتقود المجتمع إلى إدارك المخاطر المترتبة على بقاء السلاح في أيدي الناس، فالدور المنوط بكل منظمات المجتمع المدني والاتحادات والهيئات والتكوينات الشعبية أن تتوحد مع الإرادة الوطنية والإرادة السياسية من أجل مجتمع خالٍ من السلاح، فلو تضافرت هذه الجهود كلها وصممنا نحن كأدوات مجتمع وناشطين فاعلين، نستطيع أن نجنب مجتمعاتنا المحلية خطر المواجهات المسلحة وعدم شرعية وقانونية امتلاك السلاح وحمله واستخدامه إلا في ما أقره القانون .
> ومن المهم أن نعمل معاً من أجل هذه الغايات الوطنية الرفيعة، وألا تكون المبادرة التي تنطلق من نقابة المحامين واتحاد الصحافيين مكانها هنا في المركز، هي مبادرة مجالها الحيوي ونشاطها الأساس هناك على الأرض وسط المجتمع وفي الولايات التي تطبق فيها الآن الأوامر الرئاسية بجمع السلاح، ويقع على عاتق الصحافيين والمحامين والحقوقيين في الولايات عبء كبير في هذا العمل الوطني الجبار، وسنحصد في نهاية الأمر ثماراً دانية، وهي مجتمع خالٍ من السلاح.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة