الحزب الشيوعي السوداني.. إنهيار شبكة البناء التنظيمي!
باستثناء اللقاء الأخير لسكرتير الحزب الشيوعي السوداني، بالأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي فإن الحزب الشيوعي السوداني ما عاد له صوت شديد كان أو خافت!
كما لم يعد ذلكم البريق التنظيمي الذي اشتهر به في خمسينات و ستينات القرن الماضي، ويمكن الجزم هنا إن البريق التنظيمي لهذا الحزب أُسدل الستار عليه نهائياً في تلك اللحظة التاريخية الفارقة التى فاجأ فيها مدير جهاز الأمن السوداني يومها، صلاح قوش، سكرتير الحزب الشيوعي حينها الراحل محمد ابراهيم نقد في مخبئه!
المفارقة هنا كانت في ان الحزب وسكرتيره العام ظلوا سنوات «يعتقدون» أنهم أخفوا زعيمهم «تحت الأرض» إخفاءً محكماً بحيث يستحيل على احد أن يعلم بمكانه. وحين فوجئ الراحل نقد برئيس جهاز الأمن يباغته في مخبئه تحت الأرض ويرسم ابتسامة ماكرة على وجهه، ويسأله عن صحته و آخر ما قرأه من كتب وهو «تحت الأرض»، حين فوجئ الراحل نقد بتلك الحادثة التاريخية المؤلمة، أدرك ان البريق التنظيمي الذي كان مصدر فخر الحزب الشيوعي السوداني قد تمت مواراته الى الأبد!
ومن المؤكد ن الراحل نقد وحتى دخل قبره لم تفارق ذهنه هذه المشاعر السياسية المحبطة، ولذا أكد عليها بمرارة في ميدان أبو جنزير وسط الخرطوم ضحى التظاهرة التى كان قد يجرى الإعداد لها، و لكنها لم تر النور حيث خط نقد يومها عبارته التاريخية «حضرنا ولم نجدكم»!
كان الراحل نقد يومها يصيغ «شهادة فقدان» حزبه وقادة حزبه وحلفائه في ذلك الضحى الحزين على كرتونة باهتة اللون، بها مزيج من التراب و ذرّات القاذورات الصغيرة التى امتزجت بعبارته الحزينة! تلك كانت مرحلة من مراحل موت الحزب وإنحسار بريقه التنظيمي، وفي المرحلة الثانية أصيب الحزب بمرض «الإسهالات المائية» لأسراره وخصوصياته الحصينة.
اصبح من المتاح والمألوف ان تجد محاضر اجتماعات الحزب و خططه التنظيمية الشديدة السرية مبذولة ومتاحة في الصحف ووسائل الإعلام. فقد الحزب الشيوعي مناعته التنظيمية، فأدى ذلك إلى ذيوع أدق أسراره التى أفضت بدورها إلى وقوع تصفيات و مذابح تنظيمية تم فصل قيادات من الصف الأول بسببها و راح ضحيتها قادة يعتبرهم الحزب أفذاذاّ تنظيمياً. فقد انهارت الثقة فيما بينهم ولا يدري احد منهم من هو العميل ومن هو مفشي أسرار المكتب السياسي ومحاضره!
وربما ذهل الحزب الشيوعي السوداني للمرة الأولى في تاريخه، كيف تسربت وثائق مؤتمره الخامس و السادس و محاضر اجتماعات قياداته العليا. فالعمل التنظيمي هنا مركب ما بين تسريبات لا يعرف الحزب مصدرها، وما بين قادة من الصف الأول مشكوك في أمانتهم التنظيمية وما بين تاريخ حافل للحزب أقله أنه نفذ إنقلاباً نادراً في رابعة النهار في عمق العاصمة الخرطوم ظهيرة 19 يوليو 1971م.
أما آخر آلام الحزب المبرحة التى يتأوه منها في الوقت الرهن فهو لجوؤه إلى تكليف عدد من قيادات وكوادر الحزب الناشطين لتكوين مجموعات بالأحياء السكنية لتولي أنشطة جماهيرية للحزب وسط الأحياء بعدما انسدت آفاق الحزب وإنهار البناء التنظيمي السري، وطاشت شبكة الإخفاء الباهرة التى كان الحزب يباهي به، فهل يا ترى تنجح «آخر خطط الحزب» المتمثلة في «دس» كوادره داخل الأحياء السكنية لقيادة أنشطته من هذه المنصة الشعبية؟ أم ان هذه الكوادر -من الأساس- معروفة لمواطني الأحياء و أن الاستجابة معدومة؟ غداً تثبت الأيام حقائق الواقع الأليمة.
الصحافة