الزراعة.. تصدر أجندة ما بعد رفع العقوبات
ما انفكت التوقعات تشير إلى أن واقع البلاد عقب رفع الحظر الاقتصادي عن السودان سيكون مختلفاً عما قبله، وتستند هذه التوقعات على أن رفع الحظر سيمكن من الحصول على تقانات حديثة تفتقدها العديد من القطاعات الاقتصادية، ويقول مختصون وخبراء اقتصاديون إن العقوبات تسببت في إحداث نوع من الشلل التام في قطاعات مثل النقل الجوي والسكة حديد والقطاع النفطي، مشيرين إلى وجوب الاهتمام بها وتطويرها بما يمكن البلاد من جني موارد ضخمة منها باعتبارها تشكل عصب النشاط الاقتصادي الحديث، والراجح أن ثمة فائدة مرتجاة للولايات المتحدة من رفع الحظر وليس أقل من ذلك استفادتها من الصمغ العربي الذي يعتبر سلعة اساسية لدى أمريكا وهو سلعة مهمة للسودان وما يؤكد ذلك أنه تم استثناؤه سابقاً من السلع المصدرة.
وبالنسبة لمؤسسات مثل اتحاد أصحاب العمل، فإن اكتمال الرفع النهائي للعقوبات سيكون بردًا وسلامًا على الاقتصاد والمواطن السوداني، لكن ذلك رهين بقيام الحكومة بإزالة البيروقراطية في العمل وتعيين كوادر مؤهلة لإدارة الشأن الاقتصادي وإزالة التقاطعات في القوانين بين المركز والولايات خاصة المتعلقة بالأراضي.
ويقول أمين السياسات باتحاد أصحاب العمل سمير أحمد قاسم إن السودان غني بموارده الاقتصادية التي لم تستثمر حتى الآن ويمتلك السودان حوالي 150 مليون فدان قابلة للزراعة كما يمتلك أطول نهر في العالم بعد المسيسبي وحوالي 120 مليون رأس من الماشية ومنتجاتها من الجلود وأكثر من 79 نوعاً من المعادن تحتاج لتقانة عالية لاستخراجها بدلاً عن التعدين العشوائي المستخدم الآن، مضيفاً بأن السودان يمتلك كميات كبيرة من البترول والغاز الطبيعي مؤكداً أن هذه الموارد تحتاج لدعم فني ورؤوس أموال أجنبية لاستثمارها لتنعكس إيجاباً على الاقتصاد ومعاش المواطن.
وشهدت الفترة الماضية إبداء عدد من الشركات الأمريكية والأوروبية التي زارت السودان رغبتها للاستثمار بالسودان.
الدكتور عادل عبد المنعم يقول إن رفع العقوبات خطوة إيجابية على الاقتصاد السوداني، لكنه ليس الحل الوحيد للأزمات التي يعاني منها مطالباً بالتركيز على دعم القطاعات الإنتاجية ورفع مساهمتها في الإيرادات الكلية للدولة، وقال إن القطاع الزراعي يتصدر القطاعات الواجب تطويرها مع تحقيق الاكتفاء الذاتي على أقل تقدير من صناعات السكر والمشتقات النفطية، وقال إن رفع الإنتاج سيضمن تلقائياً رفع مساهمة العديد من القطاعات ورفع الصادرات ورفع الإيرادات الضريبية التي قال انها مرتبطة بزيادة الإنتاج، وقال إن بعض الدول مثل المغرب تمثل الإيرادات الضريبية ما لا يقل عن “24%” من موارد الدولة ولكن في السودان لا تعتبر الضرائب مكوناً ذا أثر مهما تعاظمت عازياً ذلك لقلة الإنتاج.
طرحنا سؤالا على الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي عن مستقبل النقل البري في حال تم رفع الحظر، فقال إن السودان يمثل منفذًا للدول الأفريقية من خلال البحر الأحمر مما يجعله مؤهلاً لقيادة أفريقيا في مجال النقل، معتبراً أن قطاع النقل له دور فاعل في دعم الاقتصاد الوطني عازياً قوله بأنه يربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك ومناطق الإنتاج بمناطق التصدير، مشيراً إلى أن الطرق تسهم في التنمية والتواصل الاجتماعي، ورهن النهوض بالتنمية بتأهيل البنيات التحتية ومن بينها قطاع النقل بكل أنواعه وتخصيص التمويل الكافي لتنفيذ مشروعات الطرق المختلفة، وقال إن للسودان خطوط سكة حديد هي الأطول في أفريقيا بطول (4578) كلم للخط، لافتاً إلى أن القطاع بدأ في التدهور منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان يحتل المركز الأول بين طرق النقل إلا أنه تراجع الى المركز الثاني بسبب المنافسة من الطرق البرية وانخفض نصيب القطاع من 33% في عام 1997م الى 25% في عام 2000م ثم انخفض الى 6% في عام 2005م، ودون ذلك في الوقت الحالي مضيفاً أن ميناء بورتسودان أصبح لا يتسع للبواخر الكبيرة وقال إن هنالك حاجة ماسة لتنفيذ مشروع أرصفة حديثة بسواكن لاستيعاب الحاويات وإنشاء ميناء لصادر الماشية، ومشروع الكرينات الجسرية مشيراً إلى أن أكثر من (3) ملايين راكب سافروا عن طريق مطار الخرطوم فقط العام الماضي، مردفاً أنه لو حصلت الخطوط الجوية السودانية (سودانير) على نصف عدد هؤلاء الركاب لحققت أرباحاً كبيرة، معتبرًا أن الصادرات والواردات تحتاج لنقل رخيص للاستفادة من فرص التجارة الدولية، مضيفاً، كانت هناك عدة اتفاقيات اقتصادية وقعت مع الصين وكانت تشير الى أن قطاع النقل مقبل على متغيرات جذرية ستغير من نظرة الناس إلى سودانير والخطوط البحرية والسكة حديد وأن عجلات قطاع النقل أهم محرك للاقتصاد بدأت بالدوران.
وتصف الدكتورة إيناس إبراهيم مرحلة ما بعد رفع الحظر بالخطوة الفعلية في اتجاه بناء منظومة اقتصادية قوية ذات انفتاح تجاري وتكامل اقتصادي إقليمي ودولي، وقالت لـ”الصيحة”: من دون شك رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان يعزز من الثقة في الاقتصاد السوداني تدريجياً، وهو ما سينعكس بالإيجاب تدريجياً على حركة رؤوس الأموال بالبلاد حيث ستتفادى الشركات المحلية أو الأجنبية صعوبات السنوات الماضية على رأسها تقييد التعامل مع البنوك العالمية لا سيما البنوك الأمريكية، وقالت إن ذلك من شأنه انسياب المعاملات المالية والبنكية من الخارج ويضاعف من تدفقات رؤوس أموال الشركات الأجنبية بالسوق السودانية مستقبلاً التي يتطلع عدد منها في العامين الماضيين خاصة الروسية والصينية إلى زيادة استثماراتها بالقطاع الزراعي والتعدين بالبلاد.
طوال العشرين عامًا الماضية كان قطاع النقل الجوي ضحية للعقوبات الأمريكية، وما زاد من صعوبات القطاع أن دول الاتحاد الأوربي تفرض أيضا حظراً على الطائرات السودانية من الهبوط بالمطارات الأوربية، فتراجع دور السودان بعد أن كان يمتلك شركة طيران مزدهرة قبل تراجعها بفعل الإهمال وسوء الإدارة والعقوبات الاقتصادية وكثيرًا ما عزت الخرطوم حوادث الطيران للحظر الأميركي المفروض على قطع الغيار وتناقص أسطول الشركة، وأضحى يتألف من 3 طائرات، واحدة مملوكة لسودانير وطائرتان مستأجرتان بجانب 7 طائرات متعطلة وخارج الخدمة، وفي مارس 2012 أعلنت سودانير فض شراكة مع مجموعة عارف الكويتية وشركة الفيحاء السودانية بعد تعثر المجموعة في تطوير سودانير.
ولكن الخبير في مجال الطيران مرتضى حسن له رأي يقول إن المشكلات التي أقعدت بسودانير لا تتعلق بالحصار الاقتصادي بمعزل عن السياسات الإدارية بل أرجعها لفشل الشركة الإداري في تسيير العمل، وقال إن الشركة سمح لها منذ أكثر من ثلاثة اشهر باستيراد قطع الغيار ولم يحدث جديد حتى الآن، وقطع بأن توفر قطع الغيار لا يعني رجوعها لسابق عهدها.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة